للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخَرَّ الفتى - بعد عامين - مريضاً تتناهبه الأسقام من وقدة القيظ وتتوزعه الأوجاع من لظى الحر، فارتد إلى القاهرة يتلمس الشفاء من علته ويطلب البرء من سقمه وإلى جانبه زوجته ترف حواليه رفيفاً حلواً يخفف من ضنى نفسه ويمسح على آلام جسمه.

وطال به المرض والفتاة إلى جانبه يتقاسمها الفتور والملل ويفزعها السجن والمرض، وإن فيها شباباً يصبو إلى الشارع ويهفو إلى السينما وينزع إلى المتعة فما تجد السبيل، غير أنها لم تعدم تعلة تتعلل بها لتفر من الدار ساعة أو بعض ساعة. وبدا عليها الضيق على حين تتصنع الوفاء، وأصابها الخور وهي تتخلق بالنشاط. وللمريض عين نفاذة وأذن واعية وإحساس مرهف، فأرخى الفتى لزوجته العنان علها تجد السلوى والمتاع.

واندفعت الفتاة إلى الشارع وإلى السينما، لا تعبأ بالمريض ولا تعنى بشأنه، وخلفته بين يدي الخادم تعبث به وتهمل أمره. وضاق الفتى بحماقة الزوجة الشابة حين رآها تسرف في الزينة وتغرق في التطرية وتفرِّط في أمر الدار والزوج والولد، فراح يحدثها حديث خواطره في لباقة ولين. ولكن الزوجة كانت قد علقت شاباً آخر ذاقت إلى جواره حلاوة الهوى ورشفت رضاب المتعة ونقعت غلة الحرمان.

وعند الصباح انطلقت الخادم لتوقظ الزوجة فألفت فراشها خالياً. . . لقد طارت الزوجة الخائنة مع شيطان من الناس. . . طارت لتذر زوجها وحيداً على فراش المرض يقاسي ألم المرض ويعاني هم الزوجة.

ونظر الزوج إلى بنيه وهم يتدافعون إلى حجرة أمهم وينادون (أمي. . . أمي!) فطفرت من عينه عبرة جرى لأنه أحس - في يوم ما - أن فقد الأم يخز القلب وخزات جاسية غليظة، ولأنه استشعر لذع الخيانة يسم حياته بسمات الخزي والمهانة، ويسربل أولاده بلباس السبة والعار.

آه، يا لقلبي! إن الزوجة حين ترتدغ في حمأة الخيانة تعلن عن أن دمها لم يشعر يوماً بالمعاني السامية والشرف والكرامة.

كامل محمود حبيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>