الناس، والمرارة من الواقع الأليم، والرضى بما هو كائن. . .
فالمازني الشاب بنزوات قلبه، وخفقات روحه، وتسابيح خياله، وانسراح عواطفه قد مضى. . وخلف ذكريات مرة مسجلة على صفحات (إبراهيم الكاتب).
ولست أدري كيف استساغ المازني أن ينفي كونه إبراهيم الكاتب بعد أن قال في الصفحة الأولى من المقدمة:
بدأت هذه الرواية في سنة ١٩٢٥ ثم عدلت عن إتمامها، والمضي فيها وبها إلى غايتها ونسيتها إلى شتاء ١٩٢٦ فاتفق في ذلك الوقت أن عرفت سيدة نمساوية تزاول الصحافة والتعليم في آن معاً، وتوثقت بينا الصداقة على الأيام - فقد طال مقامها هنا - فأطلعتني على صفحة من حياتها حافلة بالكروب والمتاعب، ولما كنت لا أعرف لي، مع الأسف، تاريخاً يستحق الذكر، أو حياة جديرة بأن يصغي إليها، أو يطلع عليها السامع أو القارئ، ولما كنت معها في موقف يتقاضاني أن أجازيها بثاً ببث، وأن أقول لها بشجوي، كما قالت لي بشجوها، فقد ركبني عفريتي الذي استراح إلى كتفي، واطمأن إلى استسلامي لقضاء الله فيَّ معه فقصصت عليها حكاية الرواية - كما كنت أنوي أن أكتبها - وزعمت أن هذه قصة حياتي!!! ولما كانت حياتي مستمرة فقد احتجت وأنا أسرد عليها هذا التاريخ المبتدع أن أجعل الختام باباً مفتوحاً)
. . . ثم وصف المازني لإبراهيم الكاتب وصفاً لا أظن الذين رأوا المازني رأي العين يفوتهم هذا التشابه الجسمي بين إبراهيم الكاتب وإبراهيم المازني. . .
كل هذا يدفعنا إلى أن نقر بأن المازني قد سجل في إبراهيم الكاتب عهداً من عهود حياته، عهداً مليئاً بالهزات النفسية، عهداً بذر بذور التشاؤم في نفسه، وأسلمه إلى شيء يشبه القنوط، عهداً لم يخل من أخطاء ونزوات وزلات وهفوات، حتى اضطره آخر الأمر إلى أن ينكر ذلك الرجل الذي يهرب من العقل، ويغور في كهوف العاطفة، ويهوم في مساربها العميقة. .
و (إبراهيم الكاتب) قصة رحلة، تبدأ بإخفاق، وتنتهي بإخفاق. . ويظل القلب الذي شهد فصولها يتألم من الحاضر، ويتعذب بالماضي الدفين.
وتبدأ هذه الرحلة حين يذهب إبراهيم إلى الريف، بعد موت زوجته، وخروجه من