المستشفى وهو مجروح القلب، يعذبه حب ماري. . . يذهب إلى الريف ليسلو، وليقضي وقتاً في أحضان السكون، ومراتع الطبيعة الريفية الهادئة، بعيداً عن ضوضاء المدينة ووساوس الحب وآلامه. . ولكنه لم يدر أن القدر يترصده؛ فيقع في حب ثان أعنف وأشد. . . هو حب شوشو بنت خالته، تلك الفتاة الغريرة بنت السابعة عشرة، وذات العينين العميقتين السوداوين المعبرتين عن طبيعة صاحبتها، والمفصحتين عن حقيقة جمالها، الحلوة النفس، الخفيفة الروح، الظمأى إلى المجهول.
ولكن المرارة دائماً تفعم قلب المازني، واليأس يصحبه، والإخفاق يطارده؛ فالحب الذي اضطرمت ناره في صدر العاشقين، وجريا معه في مجاريه يتحطم على أعتاب تلك القوة الغاشمة. . . قوة التقاليد. . . فيسافر إبراهيم إلى الأقصر ليدفن هواه الجريح، ويواسي قلبه المضطرب، وليتسلى عما أصابه من إخفاق.
وكأن القدر يلذ له أن يحرك الآثار المرهقة من قلب إبراهيم، فهناك يلاقي فتاة مصرية تدعى (ليلى). . وسرعان ما يختلج في فؤاده لهيب العاطفة التي تعذب بها، وصلى نارها، فينجرف في تيارها إلى الشاطئ ذي الأشواك. . شاطئ الحب الصارم، فيوغل في حب ليلى، ويندفع معها إلى جنائن الفاكهة المحرمة!.
ولكن ذلك الشيطان الظالم. . . الإخفاق. . . دائماً يظلله بأجنحته السوداء، فيصاب بالمرض، أغلب الظن أنه أورثه تلف الأعصاب، وخلق منه إبراهيم الكاتب.
وبعد تلك الرحلة الفنية يسلم نفسه إلى كآبة عميقة، ويأس مرير. . . وفي خلال صفحات الكتاب نرى نفسه الحساسة المرهفة كيف تتعذب، وكيف تشقى بإحساسها. . . فالحياة لم تنر لها الطريق، ولم تهدها إلى نعيم الاستقرار، فظلت هائمة لا يثوب إليها الاستقرار، ولا تركن بزورقها الحائر إلى شاطئ الهدوء.
فلا غرابة - إن اتجه إبراهيم الكاتب إلى التشاؤم بعد هول العاصفة، يلوذ بكهوفه، يرضي فيه نفسه الجريحة، ويحاول أن يحسب الألم عنصراً من عناصر الحياة:
(اسمعي يا ثوثو. . . لقد أهاب بنا نتشه أن نحيا حياة خطرة. . . ولكني أقول أنه ينبغي أن نحيا حياة مؤلمة!. إن الألم لا سخيف ولا بشع. . . انظري هذه الشمس التي تنحدر للمغيب. . . إن للشمس بقعها، والشمس على رغم من بقعها هي حياة الأرض. . . هي