وحدها الحياة. . . والسعادة أيضاً لها بقعها. . . ولك أن تسمّيها آلاماً. . . ولكن هذه الآلام هي التي تجعلنا نقدر السعادة التي نفوز بها، والحياة بالقلب هي الحياة الثامنة، أما من يبلد قلبه؛ من يخنقه فهذا إنما يحيا حياة هندسية في ناحية واحدة).
هذا الشاب المتوقد كم عذبه إحساسه، وشقي بعاطفته؛ فكان يحس في قرارة نفسه بعد أن أنهى آماله، وتحطمت أحلامه - أنه يحسن به أن يستقر، ويهدأ ويلقي جسمه المنكود المتعب، ونفسه المنهوكة المثقلة بأعباء الحياة في ركن يستكن به. . . في بيت يربطه بالرباط المقدس، وتظلله ظلال وارفة من التآلف والحنان. . ولكن أنى له ذلك؟! ألم يحاول أن يتزوج من ميمي الفتاة التي أحبها، وأحبته واستغرق الاثنان في حبهما، حتى إذا أشرف على الزواج وقف ذلك الجدار المرتفع من التقاليد. حائلاً دونه ودون ما يصبو إليه.
وليلى؟. . الفتاة الظريفة الحركة الحلوة التعبير، الناضجة الجسم، السمراء اللون، الدائمة التفكير. . . لقد هام بها فجاء إليها مرة قائلاً (. . إن هذه اللحظة رهيبة في حياتي فهل توافقين على الزواج مني؟. .) فتجيبه (يا حبيبي المسكين أجننت؟!).
وفي هذه اللحظة الرهيبة تتبين له حقيقة ليلى، وتكشف له سطوراً من صفحات ماضيها القاتم، وتزرع في قلبه المفتون أشواكاً، وتذر في عينيه حفنة من رماد!
ويتحطم كل أمل له في البيت المنشود، ويظل الاستقرار بعيداً عنه، نفوراً منه، ويظل قلبه المرهف يتجرح الصاب في صمت!. وينظر إلى سجل أيامه الماضية من بعيد وهي متوارية خلف آفاق الماضي، والدموع تملأ قلبه، والغصة في حلقه.
وذات مرة تسأله أمه:
- يا بني ألم تفكر في الاستقرار؟
- الاستقرار؟!. . إن البيوت الثابتة إنما اخترعت لأنالإنسان اشتهى السلامة وطلب الأمن، وأراد أن يكون مطمئناً إلى ما يتوقع. . فإن الخيال لعنة. . والحياة تظل تجربة حتى يكون للإنسان بيت ويشعر بأنه له، ويصبح هو ملكاً لهذا البيت، مشدوداً إليه، مقيداً به، والناس في العادة يرتاحون إلى هذا الشعور، ويحبون أن يكونوا على يقين من أن هناك وسادة يضعون عليها رؤوسهم كل ليلة، وأن هناك امرأة يسمونها الزوجة ترقد إلى جانبهم. . نعم فإن الإنسان إنما يطلب البيت لأنه يطلب الزوجة، وهو يطلب الزوجة لأنه يريد أن يريح