للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نفسه من متاعب الإحساس الجنسي!! كأنما هو يريد أن يفرغ من الأمر مرة واحدة وفي لحظة واحدة. . هذا هو الاستقرار. . وليس فيه ما يخدم الآداب والفنون أو يساعد على التقدم.

وهكذا يخلص إبراهيم الكاتب إلى هذه الفلسفة يحاول فيها أن يقنع نفسه ويرضيها بالتعلات، ويسوغ إخفاقه بأشياء لا يرضاها إلا القلب الكسير!

فلا جناح أن يتجه المازني في ذلك الدور المضطرب، إلى الكآبة يغرق في لججها، وإلى التشاؤم يتسلى في قناعته، وإلى الألم يستسيغه، ويستمري مره، وإلى اليأس من كل شيء.

وخيل إليه (أن المرء لا يستطيع أن ينظر إلى الحياة بإخلاص إلا بعين يمتزج بها التشاؤم والتسامح، وأن الدنيا حافلة بالسوء والمقابح، وأن الحياة فنها - أقوى فنونها - التثبيط، وأن الإنسان يعيش سنين وسنين ويتصل بمن لا يحصى عددهم من الناس، ولكن ما أقل الموافق منهم!. . وأن خاتمة كل حياة الأسف والندم. . وهما جيل ينمو معنا طالعاً من أقدامنا، وقلما نعرف اسمه في صباناً، وما أكثر ما نتوهمه جيلاً رائعاً جليلاً. . وإنه لرائع وجليل. . ولكنه مخيب للأمل. . ويعلو الجبل أمامنا ويتضخم ونحن نصعد فرحين بالحياة، مغتبطين بالعيش، ثم لا نلبث على الأيام أن نتمهل وندير عيوننا، ونرجع البصر فيما خلفنا ووراءنا، فتأخذ عيوننا شقوق الفضائح وفدافد اليأس، وأودية السقوط. . ومع ذلك نظل نصعد في جيل الندامة، وماذا عسانا نصنع غير ذلك؟ ويجيء يوم نهرم فيه، وتكل أرجلنا، وتجف أنسجتنا، ونعيا بالأصفاد، فنقعد على قنة مريحة، وننظر إلى جداول الحياة المنحدرة. . الحياة التي تظل تترقرق، ويظل واديها خصيباً، وإن أخفقنا نحن، ونشفنا واحداً بعد واحد فنتعلل بذكرياتنا، وتبدو لنا هذه الذكريات أجمل وأسبى من الحوادث التي ولدتها!).

هذه الصورة الرمزية القاتمة الدقيقة التي رسمها المازني ليمثل فيها أدوار الحياة الإنسانية تمثيلاً يحمل إلى النفس كثيراً من الأسى والحسرة. . هي خلاصة فلسفة إبراهيم الكاتب بعد أن ألقى رحاله في أحضان اليأس، والإخفاق، يحسب أنه معذور إذا بكى إساره، وحاول أن يتلهى بسجنه. . وبدت له الصور القائمة في خميلته، صور الذكريات الحلوة المرة، الباسمة القاتمة (أجمل وأسبى من الحوادث التي ولدتها) في نظر اليائس على الأقل!

<<  <  ج:
ص:  >  >>