نزعج أنفسنا بأمور حدثت قبل خمس عشرة سنة، غير أنني لا ألقي اللوم عن نفسي. حينما أفكر في الحنان الذي كان يغدقه علي أبواي وأهلي، وبعواطف الصداقة الخالصة التي كان يغمرني بها الأصدقاء، لا أجد مناصاً من اتهام نفسي بعدم المبالاة ونكران الجميل، وهو خطأ في حد ذاته جد خطير.
والذي يبدو لي أننا لا نتذكر من مثالبنا غير التي لا وجود لها في أخلاقنا الآن. إن ذاكرتي تكاد تفيض بالحماقات التي لم أسجلها عن نفسي وهنالك أسرار يحملها الموت معي إلى القبر وهي مزيج من القسوة والأخطاء والطيش.
هل نحن ملزمون أن نطبق على أعمالنا مبدأ (لا تحكم على نفسك). قال سنت يول:(لا أستطيع الحكم على نفسي). وقالت بورشيا:(نحن نطلب الرحمة من الله). إن الله يغفر لنا الذنوب التي نتوب عنها توبة صادقة وإن كنا لا نغفر لأنفسنا بعض ما اقترفنا من ذنوب.
أتراني أستطيع تذكر المباهج الكثيرة التي مرت بحياة كان التوفيق الظاهري حليفها في الدنيا؟ كلا. لقد كان نصيبي من أوجاع الدنيا أكثر من مباهجها. لقد كان بيت القسيس في القرن التاسع عشر - كبيت القسيس الاسكتلندي - المكان الذي تترنى فيه المثل العليا للخلق والذوق: حياة رتيبة بسيطة تعني بالعقل كثيراً؛ لا فقر ولا غناء؛ صحة وعمل مثمر، وهي أمور لم يكن لها وجود إلا في بيئة من هذا النوع في ذلك الزمان.
كان أبي لاعباً مبرزاً في (الكركيت)، ومعيداً في الكلية التي تخرج منها في أكسفورد، وأبعد الناس عن الطموح. لقد اكتفى من دنياه أن يكون قسيساً مساعداً لجدي شورتون رئيس الشمامسة حتى بلغ الخامسة والأربعين من عمره. حتى لقد رفض أن يكون مطراناً لأبرشية سلسبوري ذات المكانة الممتازة عن طريق التواضع الرخيص والخمول النفسي. وكانت والدتي امرأة عالية الثقافة تعلمت في ظلها تعليما مكنني من اجتياز الفحص لدخول كلية ايثون، بعد دراسة فصل واحد في مدرسة خصوصية، وكان ترتيبي في ذلك الفحص الثاني. لقد ابتسم الحظ لي في ايثون وتتلمذت على أمر أستاذ في الآداب الكلاسيكية وهو فرانيس سنت جون ثاكاري ابن عم الروائي العظيم.
كانت تلك الفترة هي عصر الدراسات الكلاسيكية الذهبي في ايثون. لقد ارتفعت دراساتنا في تلك الآداب إلى مستوى لم تعرفه جامعة كمبردج في تاريخها الحافل المجيد، فحزنا