للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لن أذكر هنا كثيراً عن الثلاث والعشرين سنة التي قضتها في هذا المنصب، لأن ذلك قد استغرق القسم الأعظم من كتابي المشار إليه عن تلك الذكريات. إنني مدين للصحافة بقسم كبير من التوفيق لعظيم ما تلقتني به من الترحيب والتشجيع. . . لقد لقيت كتبي رواجا عظيما، ودعيت لإلقاء محاضرات لا يبلغها الحصر. قال لي رئيس الوزراء حينما سلمني براءة التعيين: أنه يأمل أن أحيي تقاليد ذلك المنصب الروحي الخطير في كنيسة إنجلترا. لقد كانت تمر بخياله ذكريات رواد الكنيسة وبناة مجدها الأولين من طراز كولث، ودون، وتلستون، وملمان، ومانسل، وشرك، وأحسب أنني قد سرت على أثارهم كأحسن ما يكون، ولكن ليس من حقي أن أحكم على أعمال نفسي. ولا أرى أيضاً ضرورة لذكر الثلاث عشرة سنة التي قضيتها في ريف يوركشير بعد اعتزال الخدمة. إن بلوغ الإنسان أرذل العمر تجربة خطيرة من تجارب الحياة. إنني لا أكاد الآن أشعر بأثر أي شيء من عواطفي. تجري الأيام والشهور والسنون وأنا احسبني في حلم طويل. لم أجد شيئاً في الحياة يستحق أن يتهالك الناس عليه، لأن الدنيا بكل ما فيها من متاع وسرور، ليست إلا خيالا يمر مرور سحابة صيف، وليس في حياة فانية لا شيء يستحق أن يرجى ويؤسف عليه. إلا أن في رحمة الله ما يسع بلادي البائسة وأبناء وطني المتعبين. إن تراخي رباط الحياة التدريجي من جسدي لا يخيفني كثيراً، ولن أبكي كما بكى شاعر الحب الإغريقي ممنرامس وتمنى أن يموت في الستين من عمره؛ وليس كما فعل هوراس الذي كبر في غير أوانه، وأصبح يحس بفقد مباهج الحياة واحدة بعد الأخرى. لا أريد أن أردد قول تنسون المرير: (إن السنين التي تجعل من الطيش اتزاناً في الإنسان، هي التي تأخذ ما تعطي وتترك الظلام في البصيرة والعينين). . .

لعل في استطاعتنا تجنب الإحساس بحالة من هذا النوع في الشيخوخة، وإن كنا لا نرى رأي السير توماس افريري الذي يريد أن نشعر بشيخوختنا إحساساً تُنسى فيه أرواحنا بدلا من الإحساس بضعف أجسادنا. . . أستطيع أن أقول إنني لست تعساً. . . إن الراحة بعد النصب المرهق أمنية جميلة، وإذا كنا نؤمن بصدق الديانة المسيحية فعلينا أن نؤمن بقول لويس نتلسشب: (ليس للموت وجود). إن المسيح يقول في الإنجيل الرابع: (إن الذي يعيش ويتبعني فلن يموت أبداً)

<<  <  ج:
ص:  >  >>