الإنجليزية والأمريكية. وأغرب من هذا كله وأدعى منه إلى الدهشة والتعجب أن أنصارها أنفسهم والمشايعين لها بأفكارهم وكتبهم ليسوا راضين عنها كل الرضا وأنهم لا يوافقون على نسبتها إليهم.
وأصل الإشكال في هذه الفلسفة هو أنها تتطلب روحاً معينة لدى من يؤمن بها ويتعصب لها، وتقتضي أن يكون في نفس الإنسان صفات خاصة من أجل أن يصير واحداً من المعجبين بها. فليس كل إنسان بقادر على أن تجد فلسفة الوجود عنده موافقة ورضا وأن يقدم على قراءتها بنفس مطاوعة، فإن الكثير من النزعات الاجتماعية والتربوية والدينية - وهي الأكبر تأثيراً في نفوس الناس - لا تتلاءم مع الوجودية في أفكارها وميولها. كذلك يلاحظ أن الفلسفة الوجودية أميل إلى الأدب والفن منها إلى العلم والحقائق المقررة؛ ومن هنا كانت تعول دائماً على الذوق وعلى الإحساس أكثر مما تعول على المعرفة الأصولية المستندة إلى خبرة عملية واتجاه نفعي.
وهناك أسباب موضوعية خالصة تدفع بالناس إلى كراهة هذا النوع الجديد من التفكير: فقد اتجه فلاسفة الوجود إلى العناية بظاهرة الموت مثلا وتفسيرها، والكلام عن الشعور بالقرف، والاهتمام بمسألة العدم وتقديمها على ما عداها وتحليل المواقف المعينة التي يوجد فيها المرء ويحتاج من أجل المرور بها إلى تجربة وجدانية من طراز فريد. فمن ناحية الموضوعات التي تدرسها الفلسفة الوجودية نجد أنفسنا بإزاء جملة من الأفكار الغريبة التي إن لم تكن جديدة بالمرة ففي بعض التحليلات والتفصيلات ما يشعرك بأنك تجاه شيء لم يقع من قبل في دائرة البحث أو في مجال التفسير والتعليل.
والوجودية بعد هذا كله ليست أحادية على طول الخط، وإنما فيها فريق مؤمن يستهوى بكتاباته كثيرين ممن يريدون إشباع نزعتهم الصوفية بتحليل المشاعر الدينية والسلوك في طريق الروح. فكير كجورد وبرديائف ومارسل يأخذون جانباً معيناً في التفكير الوجودي ويسيرون على نمط خاص يجعلنا نطلق عليهم اسم الشق الإيماني ونفردهم قسماً واحداً. وقد كان من الممكن بالنسبة إلى هؤلاء أن يبعثوا الشوق في نفوس قراء الأدب والفلسفة من المتدينين وأن يحببوا المذهب الوجودي إلى قلوب الناس؛ بيد أن تحليلاتهم الطويلة، وأسلوبهم في معالجة المسائل، وتطرفهم في ناحية الإحساس المرهف، وتفصيلهم الدقيق