للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عند شرح الحالات الوجدانية زهَّد الكثيرين فيهم وجعلهم يحسون بالملل والضيق عند قراءة صنوف نتاجهم.

فهذه كلها من المسائل التي توضح لنا السبب المباشر في أن الكثيرين من الأدباء والمفكرين لم تعجبهم فلسفة الوجود، وتوقفنا على أصل الداء في كراهية الناس لهذا النوع من التحليل العقلي ولكنها بغير شك لا تقنع الباحث، ولا تصده عن مراجعة هذه الأفكار مراجعة الإنسان المسئول عن رأيه، ولا توقفه عن قراءة ما ينتجه فلاسفتهم من الكتب والمقالات والبحوث. وأغلب ظني أن الإنسان الذي يحول بين عقله وبين هذا الزاد الفكري الجديد سيخسر كثيراً من كونه قد حرَّم على نفسه ضرباً من ضروب الإحساس بالحياة على نحو غير مألوف وأساء إلى فكره بأن أبقاه في دائرة مقفلة من المذاهب التقليدية العتيقة.

فالفلسفة الوجودية إنما جاءت كرد فعل لطغيان التفكير المذهبي على عقول الناس وأرادت أن ترفع عن كاهل الفكر البشري هذه الأثقال التي تركتها أحقاب من الفلسفة التجريدية الجوفاء. وبالإضافة إلى هذا كله غيرت من اتجاه التفكير واستبدلت بالموضوعات القديمة غيرها مما يُعدُّ داخلاً في نطاق التحليل العادي وبطبيعة الحال أسقطت من حسابها في هذه العملية مجموعة من الأفكار البالية التي كان سيستحيل على الإنسان أن يجد لها تفسيراً معقولاً وإن ظل يتأملها أجيالا بعد أجيال. وذلك كله بحكم خروجها عن نطاق البحث الفلسفي، ومن باب أولى عن نطاق البحث العلمي. فهي مسائل معلقة ليس يتأتى الفصل فيها لطائفة من البراهين دون غيرها ويستحيل أن تخضع لمناقشة سليمة معقولة. ولذلك صار الموضوع الأساسي بالنسبة إليها هو الإنسان؛ وعدنا من جديد نحس أمام مفكريها بأن الوجود في حد ذاته مشكلة على نحو ما أعلنها شكسبير على لسان هاملت في يوم مضى

وفي الفلسفة الوجودية نزعة ميتافيزيقية واضحة؛ ولكن لا بد من أن نراعي دائماً فيما يتعلق بهذه الميتافيزيقا أنها ليست مثل غيرها، وأنها تنفرد بصفات خاصة ومعالم ذاتية هي وليدة التيار الفكري السائد بعد الانحلال الحضاري الأخير في الغرب، وتتبدى مظاهر الانحلال في تلك الحياة الكسيحة التي انتهت إليها أوربا، والانهزامات المتوالية على فرنسا وألمانيا والدويلات المجاورة لهما بالذات، فضلاً عن المجاعات الحاصلة من يوم إلى يوم ومعاناة الجيل الجديد من الشباب الأوربي لألوان من العيش ولضروب من الحياة لم يألفوها

<<  <  ج:
ص:  >  >>