للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من قبل. فالمراحل الفكرية القلقة التي مرَّت بهم، والحالات النفسية الشاذة التي خضعت لها شعوب الغرب المثقفة الحية كان لها أكبر الأثر في مشاعر الشبان وآرائهم، وكانت النتيجة أن آمنوا بالمذاهب ذات الصبغة الزاهية، وذات الطابع الحاد، وذات الميل المتطرف. وبعد هذا كله - أو قبل هذا كله - أبعدتهم كل البعد عن فلسفات الخيال والوهم، والأفكار التي لها طابع روحاني زائف أو خصائص دينية كاذبة.

ومن هنا كانت الميتافيزيقا عندهم غير متملقة بشيء خارج الوجود، ولا باحثة في أمور تتعدى نطاق المحسوس. وبطبيعة الحال أنا لا أعني الطائفة المسيحية من الوجوديين، فهؤلاء لهم حكمهم الخاص. إذ أن فلسفة الوجود - كما قلنا - فيها شق مؤمن يدخل تحت لوائه من سبق أن ذكرناهم بالإضافة إلى مارتن بوبر وكارل بارث. أما الشق الآخر فإلحادي متطرف مثل هيدجر وسارتر وسيمون دي بوفوار ومارلو بونتي. وهؤلاء الأخيرون هم الذين نعنيهم كلما تحدثنا عن ميتافيزيقا الوجود. وهي ميتافيزيقا تخضع للتجارب الحية داخل الوجود، وموضوعها الوجود في العالم كما يقول هيدجر. ونجد التعبير عنها كاملاً في كلمة سيمون دي بوفوار إذ تقول: (في الحق أنه لا يوجد أحد خارج الوجود.) وبهذا التصريح منها اعتقدت في أنها قد حدت من الحلم الذي طالما خطر على أذهان البشر بوجود موضوعية غير إنسانية، وأنها قد أثقلت الخيال بقيود وروابط تجعل من المستحيل بالنسبة إليه فيما بعد أن يخرج على ما هو ماثل أمامه وقائم من حوله. ويؤيدها سارتر في هذا المعنى بقوله:

(ليس هناك أكوان أخرى غير كون إنساني واحد هو الكون المنسوب إلى الذاتية الإنسانية). ويعني سارتر خصوصاً بأن يقدَّم لنا تفرقة هامة حينما يتكلم عن الميتافيزيقا وهو يقدم عليها علم الوجود بوصف هذا العلم تمهيداً للميتافيزيقا التي يأتي على عرضها في كتبه. وينظر إلى هذا العلم كما لو كان بحثاً في الحالة الراهنة للموجود، والأقسام التي يمكن أن يرد إليها (كالموجود في ذاته والموجود لذاته). أما الميتافيزيقا عنده فهي التي تضع المشكلة النهائية الخاصة بإمكانيات هذا الموجود على النحو الذي يوحي به علم الوجود.

فالميتافيزيقا الوجودية عند سارتر وإضرابه ليست بحثاً في المجهولات، ولا تخمينا في مسائل الروح والعالم الآخر، ولا هي عود إلى النظر في مراتب الوجود وعالم الأفلاك. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>