للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن هنا حاول البعض في انتقاده له أن يتهمه بأنه مادي كما فعل روجيه تروافونتين في كتابه عن الاختيار لدى جان بول سارتر. وبذلك نلاحظ دائماً عند الكلام في تاريخ الميتافيزيقا - كما هو واضح - جديدة كل الجدة ولا غريبة كل الغرابة عن الفكر الفلسفي؛ فلها إرهاصات من الفلسفات الباحثة فيما يدخل ضمن حدود الموجودات على الرغم من خروجه عن نطاق التجربة.

وإذا حاولنا أن نعود بأذهاننا إلى الوراء من أجل النظر في الأصول التي نبعت منها فلسفة الوجود اصطدمنا بمشكلة أخرى لا تقل إعساراً عن أي مشكلة تصدت لها هذه الفلسفة. فالواقع أنه من الصعب جداً أن نعثر على خط واحد مرت به هذه التيارات المتلاحقة في إبانة وانكشاف. بل يصعب في الغالب أن تجد نقطة بدء واحدة لدى جميع الذين كتبوا في هذا الموضوع. فبعضهم يردها إلى شخصية سقراط واعترافات القديس أوغسطين. وضد هؤلاء مباشرة من يزعم أن أصلها موجود في فلسفة الحياة عند نيتشه وإلى شعر الحياة في الحركة الرومانتيكية. ومعظم الذين كتبوا تأريخها يقررون بزوغها من محاولة كيركجورد الفلسفية عندما عارض هيجل في إيمانه بالمطلق وبالروح الكلية. ولكن هذا ما يمنع الكثيرين من أن يجدوا لها مشابهات ومقابلات في كتابات باسكال وقصص إبسن ودستويفسكي وفي أشعار بودلير وأرتور رامبو

أما عن سارتر نفسه فقد رجع بتفكيره إلى كل من هُسِرْل وهيدجر. وهذا واضح وطبيعي؛ فعلى الرغم من أنه يصعب حتى الآنتحديد الموضوعات التي بحثها سارتر تجديداً ختامياً فمن الممكن أن نجد لديه نوعين من التفكير أحدهما نفسي والآخر متافيزيقي. وكلاهما راجع إلى الأبواب التي تفتحت على أيدي هذين الفيلسوفين لأول مرة في تاريخ الفكر.

فلم يعد من الطبيعي بعد هذا كله أن نظل في موقف سلب بإزاء هذه الفلسفة التي شغلت أذهان الناس وقتاً طويلاً والتي لها من تاريخها ما يؤهلها لأن تعبر عن اتجاه معين في المراحل الحاضرة من حياة الأفراد والجماعات. ولا بد من أن نحاول شيئاً بازاء هذه الحركة الضخمة؛ فإن لم يكن بد من شيء فلا أقل من أن نتأثر بها تأثرنا بالسحابة الماضية في يوم صائف.

عبد الفتاح الديدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>