للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت هناك في الحديقة شجرة قديمة، فعزمت على أن تجعل من ظلالها موضعاً لراحتها، فتمدد أقدامها الأربع على الأرض الدافئة من حرارة الشمس الساطعة خلال الأفنان. وتتثاءب أو تحك مواضع في جسمها. وعندما يأتي المساء تدلف إلى ملجأها تحت الأرض وترقد على أجولة الفحم. وهكذا بدأت حياتها.

كانت عائلة كن سان تحتفظ في ذلك الوقت بكلب أسمر اللون يدعى بوتشي. وكان الحيوان الوحيد الذي يقابل بالترحاب. وكان يبدو أنه ذو طبيعة اجتماعية، فقد كان يتقرب إليها في أدب وهو يحفر الأرض، فترد عليه تحيته بهز ذنبها القذر.

بيد أن كن سان وغيره من أولئك الذين يعيشون في ضيعته، لم يرحبوا بها كما رحبوا ببوتشي. وصاح أحدهم (أليس من الخسارة الكبرى أن يكون الفرد قبيحاً حتى بين الحيوانات؟) فيرد آخر (لو كانت ذات مسحة من الجمال لاحتفظت بها!) بيد أن كل هذا لم يكن له معنى عندها.

ودعاها هؤلاء الناس (بب). وكانت لكل دار (عمة): لقب يضفى على ربة الدار. وكانت العمات والأولاد يشتركن في كراهيتهم لها ويصرخون فيها. أما الأعمام فقد كانوا فظعاء. إن أقل إهمال أو انتباه تجعلها طريدتهم. وكثيراً ما ألقوا عليها الأحجار وكرات الطين وأسياخ المدفأة. وفي ذات يوم أصابها مقبض باب، فسبب لها جرحاً في إحدى مؤخرتيها.

وشيئاً فشيئاً، أخذت تفهم العقلية البشرية: معنى زم الفم، والقيام بالتقاط شيء، وهز الأكتاف، وعض الشفاه. كانت كل هذه الانفعالات الثائرة ضدها، قد بينت لها مدى كراهية مطارديها. وكادت في ذات يوم أن تساق لتغرق في الخليج. ولا يستطيع أحد أن يعرف كيف وجدت سبيلها إلى الهرب! كان الناس يصيحون (استحضروا الحبل. الحبل!) وكانت يائسة، فجعلت تعدو خلال الحديقة، بين الشجيرات. وذهبت صوب الفرن ثم استدارت حول مخزن الغلال، وأخيراً فرت إلى الحقول حيث تنمو الزهور التي تباع في الأعياد.

وصاح أحد الأعمام: (لقد فرَّت أخيراً!) فرد كن سان وهو يضحك ضحكة رجل طيب (أليست شيئاً متعباً؟)

وتكررت مثل هذه التجربة القاسية. ولكنها لم تكن بالتي تقهر من مثل هذه الأعمال. ينبغي لها أن تبحث عن طعامها في هدوء وفي مظهر من يقول (إن هذه أرضي). وكانت تتقدم

<<  <  ج:
ص:  >  >>