ويأمر وهو ينفذ، ويشرع وهو يطبق؛ فذكر الله استحضار لأوامره ونواهيه وتلك هي القدرة، وذكر الرسول استحضار لأفعاله وأقواله وتلك هي القدوة.
اذكروا ذلك وقولوا للمعوقين منكم إن العصبية التي توسوس في بعض الصدور بالرياسة والسيادة، إنما كانت في تاريخنا الحافل بالأحداث والعبر علة العلل في انشقاق العصا، وانقسام الرأي، وانتشار الأمر، وتعدد الدول، حتى كان لنا في الأرض ثلاثة خلفاء في وقت واحد: عباسي على عرش بغداد، وأموي على عرش قرطبة، وفاطمي على عرش القاهرة، ولكل خليفة منهم شأن يغنيه، وعدوان مع الباغين على أخيه.
اذكروا ذلك يا ساسة العرب واستاروا بسيرة نبيكم في السياسة، واستنوا بسنته في الحكم، فإن محمد بن عبد الله الذي آثر أن يكون نبياً عبداً على أن يكون نبياً ملكاً، قد ساس الناس في عهده سياسة دينية لا وطنية ولا قومية؛ لأن الوطن محدود والدين لا حد له، ولأن القوم جماعة متميزة والدين إنسانية شاملة. أما وقد استشْرت العصبية ففرقت شعبنا فرقاً لكل فرقة طرُزٌ ورسوم، ومزقت وطننا مزَقاً تفصل بينها مكوس وتخوم، فإنا أحرياء بأن نصلح الأمر بما صلح عليه أوله: تخفت في نفوسنا صوت الأثرة، ونسكن في رءوسنا عصف الهوى، ونجدد في أذهاننا ما انطمس من معاني الإيثار والإخاء والفداء والمروءة، ونوضح في أفهامنا ما انبهم من هذه المبادئ الإسلامية الصريحة: إنما المؤمنون أخوة. وأمرهم شورى بينهم. وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. . . وتلك هي المثل العليا للسلام والنظام والحكم، تطلبها الشعوب المكروبة المسخَّرة بالثورة بعد الثورة، وبالحرب بعد الحرب، فيحول بينها وبينها تصادم القوة وتعارض المنافع.
لا نطمع في أن نجعل من الوطن العربي الذي قطَّعه الغاصبون دويلات ليسهل ازدرادها، وحدة كاملة. ذلك فوق الطاقة الآن، لأنه عمل لم يقو عليه من قبل غير محمد، ولن يقوى عليه من بعد غير رجل من رجال محمد، هو الرجل الذي ينتظره العرب انتظار الأرض رجعة الربيع. وبحسبنا أن نمهد أمامه الطريق بهذه الجامعة العربية التي توافدتم اليوم إلى توكيد ميثاقها وتثبيت أركانها في القاهرة. فإذا أقمتموها يا ساسة العرب على الإيمان الصادق والنية الخالصة، كانت إرهاصاً لظهور ذلك الزعيم المنتظر الذي يجمع الله لكم فيه الراعي الذي يطرد الذئب، والخيط الذي يجمع الحب، والدليل الذي يحمل المصباح، والقائد