إن هذين القولين اللذين يذكرهما ابن حزم لا يعطيان فكرة صحيحة عن قولأبيالهذيل والأسواري ولا عن قول المعتزلة فيما يختص بقدرة الله. ويكفينا أن نرجع إلى تعريف المتعزلة لقدرة الله لندرك أن في مذهبهم القدرة هي الذات وأنها غير متناهية. وإذا بدت لنا هذه القدرة بواسطة بعض الأشياء المتحققة فالمعتزلة لا يستنتجون من ذلك أَن قدرته تعالى محدودة بهذه الأشياء لأنه زيادة على ما تحقق من الأشياء توجد أشياء ممكنة وغير متناهية في العدد تتحقق في الزمان أو خارجا عنه، ولكنها لا تخرج عن قدرته تعالى لأن هذه القدرة لا متناهية كالذات. فعلى ذلك إذا كان ما تحقق وما يتحقق من الأشياء محدوداً في العدد والكم والإبعاض فإن هذا شيء لا يعني أن قدرة الله تقف وتنتهي عند هذا الحد لأنها غير متناهية.
تجنب المعتزلة للمذهب الحلولي
كما أنه لا يوجد عالِم بدون معلوم ولا قادر بدون مقدور عليه، كذلك توجد موازاة بين الله والعالم. فمن جهة نرى علماً وقدرة غير متناهين ولهما موضوع؛ ومن جهة أخرى نرى موضوعاً لا متناهيا وأزليا نوعاً ما، لأنه يقابل فاعلاً متحلياً بهاتين الصفتين: صفة العلم وصفة القدرة الغير متناهيتين؛ ألا وهو الله الذي هو في مذهب المعتزلة كله علم وقدرة.
فيكفينا أن ندمج فكرة الله هذه (وهو الفاعل) في العالم (وهوالموضوع أعني موضوع العلم والقدرة) حتى ننتهي إلى المذهب الحلولي وهو خلط الله وإدماجه في العالم. ولكن المعتزلة تميز دائماً بين ماهية الفاعل وماهية الموضوع، وهذا ما أدَّى بهم إلى التكلم في العدم واعتباره شيئاً متميزاً تماماً عن ماهية الله. والعدم في مذهبهم هو مادة العالم التي ينقصها الوجود والله يمنح هذه المادة الوجود ليكوِّن العالم المخلوق.
العلاقة بين علم الله وقدرته تعالى:
قالت المعتزلة إن علم الله هو هو، وإن قدرته هي هو؛ فعلى ذلك تكون الذات هي العلم والقدرة فإذاً علمه وقدرته تعالى يختلفان تمام الاختلاف عن العلم والقدرة عندنا لأنه كثيراً ما يقوم الخلاف بين العقل وهو عندنا ملكة المعرفة، وبين الإرادة وهي عندنا ملكة التنفيذ