للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعمل. وكم من الأحيان ندرك الشيء الحسن ونميزه ولكنا بالرغم من ذلك نغفل العمل السيئ - لكن في الله العلم هو القدرة والقدرة هي العلم؛ لذلك نجد عليّاً الأسواري المعتزلي يشدد بحق على العلاقة بين علم الله وقدرته إذ يقول: إن من علم الله أنه سيموت ابن آدم ابن ثمانين سنة، فإن الله لا يقدر على أن يميته قبل ذلك، ولا أن يبقيه طرفة عين بعد ذلك. وإن من علم الله من مرضه يوم الخميس مع الزوال مثلا فإن الله تعالى لا يقدر على أن يبرئه قبل ذلك لا بما قرب ولا بما بعُد، ولا على أن يزيد في مرضه طرفة عين فما فوقها.

يدهش ابن حزم كل الدهشة من هذا القول في حين أن المعتزلة تجده قولاً صحيحاً معقولا منطقيا لأنهم يردون جميع الصفات إلى الذات: فعلم الله هو ذاته كما أن قدرته هي ذاته، فما يعلمه الله فهو قادر عليه ولا يجوز خلاف ذلك، وما يقدر عليه فهو يعلمه، ولا يجوز خلاف ذلك في مذهبهم - فهم لا ينظرون إليه تعالى كما نحن ننظر إلى الإنسان الذي يفكر ويعلم ويقرر ثم لا ينفذ أو ينفذ خلاف ما قرر. لا. لأن علم الله هو قدرته. وليس هناك أي مشابهة بين الله تعالى والإنسان. لذلك نجد أكثر مؤرخي الملل يدهشون لأقوال المعتزلة التي تبدو لهم غريبة؛ ولكن عندما ندرك أصل مذهبهم وهو رد جميع الصفات إلى الذات نفهم بسهولة هذه الأقوال ونجدها نتيجة منطقية للأصل الذي بنوا عليه مذهبهم.

هل الله مكلف بفعل الأصلح؟

تقول المعتزلة: إن الله مكلف بفعل الأصلح. وهذا القول نتيجة منطقية لرأيهم في ماهية الله اللامتناهية والكاملة إذ أنهم يردون إليها العلم والقدرة. ولما كان الله كاملاً فلا يمكنه أن يقف عند ما هو غير كامل وإلا أصبح هو تعالى أيضاً غير كامل. وعلى هذا القول بنت المعتزلة رأيها في التفاؤل. ويقول النظام والجاحظ والأسواري والكعبي إن الله لا يوصف بالقدرة على ترك الأصلح من الأفعال إلى ما ليس بأصلح ونحن لا نعجب من رأي المعتزلة هذالأن الله وهو كل الكمال لا يعزم على خير ثم يميل إلى خير آخر أسمى من الأول كأنه تعالى يتدرج في مراتب الكمال. فإذا كان الأمر كذلك لم يعد الله كلي الكمال؛ إذ أن في هذا الخير الأسمى الذي مال إليه الله تعالى بعد تركه الخير الأول يوجد كمال كان ينقص الأول وهذا الكمال كان سبباً في تحرك الله من درجة في الكمال إلى أخرى أسمى منها. وهذا التحرك دليل على النقص والنقص برهان على عدم الكمال. وبناء على ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>