يمكننا أن ندرك بسهولة لماذا كان أبو القاسم الكعبي المعتزلي يقول بإيجاب الأصلح للعبد وأن الإيجاب على الله تعالى محال لاستحالة موجب فوقه يوجب عليه شيئاً.
التفاؤل عند المعتزلة
ينوه ابن حزم بهذا التفاؤل عند المعتزلة حين يقول: وقالت المعتزلة كلها إن الله عز وجل ليس في قوته أحسن مما فعل بنا وأن هذا الذي فعل هو منتهى طاقته وآخر قدرته التي لا يمكنه ولا يقدر على أكثر. ويدافع النظام عن هذه العقيدة الراسخة عند المعتزلة دفاعاً قوياً حيث يقول: إن الله لا يقدر على أن يفعل بعباده خلاف ما فيه صلاحهم، ولا يقدر على أن ينقص من نعيم أهل الجنة ذرة لأن نعيمهم صلاح لهم والنقصان مما فيه صلاح ظلم؛ ولا يقدر أن يزيد في عذاب أهل النار ذرة ولا على أن ينقص من عذابهم شيئاً. ثم زاد على هذا بأن قال إن الله لا يقدر أن يعمي بصيراً أو يزمن صحيحاً أو يفقر غنياً إذا علم أن البصر والصحة والغنى أصلح لهم، ولذلك لا يقدر أن يغني فقيراً أو يصحح زمناً إذا علم أن المرض والزمانة والفقر أصلح لهم.
فإذاً كل ما يحصل في الدنيا وفي الآخرى هو أصح ما يمكن للعباد. وهذه نتيجة منطقية لنفي جميع الصفات عن الله وردها إلى الذات. والذات غاية الكمال لا يعترضها أي عجز أو نقص؛ لذلك يلزم أن يكون ما تعمله كاملا.
لكن الإنسان وهو محدود في عقله يتساءل أحياناً أي خير يوجد في بعض الأمور والحوادث التي لا يرى فيها سوى النقص والعجز والآفات. إن المعتزلة لا تحكم على الأشياء بجزئياتها، وإنما تنظر إلى العالم بأسره وتبدي حكمها عليه بأكمله. ويذهبون إلى القول بأن الصنيعة كاملة لأن الصانع كامل. فما يبدو لنا كأنه عجز أو نقص أو آفة، فكل ذلك يساهم في خير الدنيا العام، ويصبح خيراً وصلاحاً.
هل يعني هذا القول أن المعتزلة كانت تميل إلى صبر رواقي على الآلام والشدائدأمإلى صبر كصبر المسيحيين الذين يرون في الألم طريقاً لكسب خير أعظم؟. لا يمكن الرد على إلى السؤال إلا بعد البحث في مصدر فكرة التفاؤل عند المعتزلة.