لم تتغير آرائي في شخص المسيح إلا قليلاً. لقد تأثرت في صدر حياتي بما كتبه عن المسيحية شيلي وهارنك والبروتستنتيون من الألمان. لقد وجهت نقداً لاذعاً في محاضراتي في الجامعة لقول ليوزي (إن المسيح ليس إلا فلاحاً من منطقة الجليل في الأرض المقدسة محدود الذكاء). اعتقد أن استمرار إيمان الحواريين بالمسيح بعد صلبه لم يكن إلا انعكاساً من أنفسهم لما تأثروا به وهو بينهم. ومن غير المعقول أن نؤمن بما قاله ليوزي ونحن نرى الأثر الذي تركته حياة المسيح في حياة الناس مدى الأجيال البعيدة. والاعتقاد بعودة المسيح ليس في رأيي غير انعكاس عميق لحماس روحي لم يستطع الناس تفسيره بغير الأمل العظيم في مستقبل قريب. ألم نجرب ذلك في نفوسنا ونحن نعلق الآمال على وقت سعيد مقبل، فهل يتغير ذلك الاعتقاد إذا ما أناخ بكلكله علينا وقت سيئ مفعم بالآلام؟
أرى لزاماً علي أن أبين الخطر الذي يكمن وراء ما يسمونه (عبادة المسيح) لقد أساء مارتن لوثر فهم معتقد سنت بول، ذلك المعتقد الذي كان لا يعني غير صوفية عميقة في المسيح. إن المسيح الذي تعبده الديانة المسيحية هو الذي كان حياً ومات، والذي لا يفنى أبداً. لقد آمنت بأن الأقسام الثلاثة التي قسم سنت بول بموجبها الطبيعة الإنسانية: الجسد والروح والنفس، صحيحة من وجهة سيكولوجية. إننا نعيش في عالم المادة، والروح طليقة تعيش في المادة وما وراءها، فينبغي أن تكون حياتنا الداخلية تحولا مستمراً من المادة إلى الروح. إننا نكاد لا نؤمن بإمكان تحويل الشخصية المادية إلى شخصية غير مادية مطلقة. هذا هو الشرح لضرورة وجود الرمزية في الدين. أما في الحياة المادية فإننا نستطيع أن نرى - كما في المرآة - عن طريق الرمزية. وحينما تمر كل يوم من المنظور إلى غير المنظور، ومن الحقيقة إلى الخيال، تكاد تتملكنا رغبة تدفعنا إلى محاولة رؤية المجهول في عالم الزمان والمكان الذي نعيش فيه. لقد قلت في إحدى مواعظي أن من أبسط واجباتنا نحن رجال الدين أن نساعد الذين في بصيرتهم ضعف على رؤية ما لا يدرك بالحواس، وهو عمل محفوف بالمصاعب. وإذا كان قولي صحيحاً، كان التقليل من الغموض في الدين أدعى إلى إنارة أذهان الناس وأدعى إلى بلوغ ذلك الهدف عن أقرب طريق. لست أريد أن أتجاوز أكثر من هذا في حديثي لأننا كثيراً ما نسمح لأنفسنا بحرية أوسع في التفكير