وجمود الحياة يضفي على عمري ظل العناء. . . ظل الهمود
والإحساس الكبير هنا تتوزعه جميع هذه الأبيات. . ولكنه يظهر في بعضها بصورة أكبر. . تكاد لا تملك نفسك من الإعجاب بها. . . وقد لا تظفر مني أكبر قطعة موسيقية أو أبلغ لوحة وجدانية من الإعجاب ما ظفرت به بعض التعابير هنا. . . في هذه الأبيات. . . من ذلك مثلاً. (غربة العمر)(التيه المعمي)(جمود الحياة). فإن الإحساس الكبير في مثل موقف الشاعرة لا بد أن يعبر عن نفسه بمثل هذه التعابير. . لأنه صادق ولأنه بعد ذلك عميق فائض نفاذ.
وموقف آخر. . . هو أيضاً جميل، يشيع فيه الإحساس باللحظة الكبيرة. . . التي تغمر الشاعرة. . . ولكنه لا يظهر بالتعبير عن نفسه وإنما بالعجز عن ذلك. وهو ما أسميه ب (عي الإحساس) وعندي أن العي ليس وقفاً على اللسان فهو كذلك يصيب الإحساس كما يصيب اللسان على السواء. . . وذلك في المواقف الكبيرة التي تضيق بها التعابير ويضيق بها الإحساس نفسه. . . والشاعرة المجيدة حين تقول:
والتقينا. . . لم أدر أي قوى سا ... قتك حتى عبرت درب حياتي
كيف كان اللقاء؟ من ذا هدى خط ... وك؟ كيف انبعثت في طرقاتي؟
لست أدري، لكن رأيتك روحاً ... يوقظ الشوق في مسارب ذاتي
ويذرِّي الرماد عن روحي الخابي، ... ويذكي ناري، ويحيي مواتي
وحين تشيع الاستفهامات. . . لأن اللحظة كبيرة غمرت الإحساس بفيضها، وعب هو منها حتى ارتوى، وزاد بعد ذلك من اللحظة كثيراً. . . لم يحتوه الإحساس ولم يغمر. . . فضاق وعجز. . . وعبر عن هذا الضيق والعجز بهذا الاستفهامات الكثيرة في الأبيات القليلة. . . وما ذاك إلا لأن الموقف كبير. . . وكبير جداً. . . فلنتصور فتاة هائمة. . . قد أعياها البحث عن الشريك الذي يزيل لهفتها، ويريها الحياة كما هي لا من وراء الوحشة والوحدة. . . لعبور هذه الفتاة الهائمة تعبر الدروب وتجتاز المغاوز حائرة بائسة. . . وإذا هناك في بعض الدروب ألفته. . . أجل ألفته. . . عن غير قصد ولا سابق وعد أو انتظار. . . فسوف تدرك سر الاستفهام وجلاله وروعته. . . وسوف تدرك أن الشاعرة كانت تعوم