حينذاك في السموات. . . تبحث فيها عن الصورة التي تمثل هذا المشهد المفاجئ تمام التمثيل. . بعد أن فتشت عنه في الأرض. . . وحين لم تلقه هناك. . . ألقت حيرتها في الاستفهام وهي تدري أن قصاراها في هذا الموقف هو الاستفهام الذي يبدي عجزها، في الموقف وبعده.
ولا يفوتني أن أدل على تعبير جميل تريد به الشاعرة الفاضلة مفاجأة اللقاء. . . هو (كيف انبعثت في طرقاتي). . . أرأيت المشاهد كيف تنثال عليك؟. . . مشهد الفتاة الهائمة في الطرقات. . . ومشهد الطرقات وهي قفراء من الحبيب، ثم مشهد الحبيب وقد نبض على غرة من الهائمة. . ومشهدها هي وقد فاجأها اللقاء. . . هذه المشاهد التي توحيها كلمات (كيف انبعثت في طرقاتي) مصدرها قسوة تكمن في قلب الشاعرة النابض. . . ومصدرها كذلك حاسة فنية عميقة.
ولأعبر ثلاثة أدوار من قصيدة (من الأعماق) لأقف قليلاً عند قولها البليغ:
ومضت بي الأيام، لا أنا صر ... حت، ولا لهفتي الحيية تبدو
كم وكم راح يحتوينا مكان ... وأنا صبوة توارت. . . ووجد
كم حديث حدثتني! كم قصيد ... هز روحي وأنت تروي وتشدو
والبلاغة هنا تعني مطابقة الإحساس. . يضاف إليها الحاسة الفنية التي لا تكاد تلتقي بلحظة حياة. . حتى تحيلها إلى حياة بعيدة المدى شديدة الإيحاء. . وأحب للقارئ أن يقف على هذا البيت بصورة خاصة:
كم وكم راح يحتوينا مكان ... وأنا صبوة توارت. . ووجد
ثم يلمس بنفسه جمال الصورة التي توحيها هذه الألفاظ. . وليتذكر القارئ أبداً أنه أمام ألفاظ لا قطعة موسيقية ولا تمثال جميل.
وهكذا تسير قصيدة (من الأعماق). . إحساس شديد صادق. . وحاسة فنية قوية. . وتعبير جميل موح. . وروح بعد ذلك كله شاعرة طليقة. . وإن بدت أنها مقيدة إلى الأرض بأكثر من قيد.
وإني لأشبه الآنسة المطوقة. . بالشاعرة العراقية المجيدة (نازك الملائكة). . فقد كانت