مظهره؟. . . ربما!. . . ألا يمكن أن يكون مكمن السر في صوته؟. . . وإنما هنالك غيره من يمثلك مثل هذا الصوت، المشحون بالرقة، والحنان، والعذوبة!
ومر أحد معارفي، فاستوقفته، وسألته - أتعرف السيد ميليال؟
قال في دهشة - نعم!
قلت في رغبة واندفاع - أرجوك. . . قدمني إليه.
وبعد دقيقة. . . دقيقة واحدة فقط، كنا نتصافح، ونتجاذب أطراف الحديث!
كان حديثه مرحاً، هادئاً، متزناً. وكان صوته جميلاً، رقيقاً ناعماً. إلا أنني سمعت من قبل أصواتاً أكثر تأثيراً في أذن السامع، وأشد وقعاً في نفسه. . . سمعت أصواتاً تبعث السرور، وتنشر في النفس الحبور. . . سمعت أصواتاً لا تجهد في تتبع معانيها، تنساب من الشفاه سهلة، لينة، غير معقدة ولا متشابكة.
وبدا لي حديثة طبيعياً. لا ينبه الشعور بالملل. والمتحدث إليه يشعر بأنه يبادله الحديث في سهولة وبساطة. وأن الألفاظ تنساب من فمه بسهولة، ومن غير تفكير أو عناء!
ومع أن المدة التي مضت لتعرفي عليه لم تزد على الربع ساعة، إلا أنني وجدت نفسي، وكأنني أعرفه منذ ربع قرن!. . . شعرت نحوه كما أشعر نحو صديق قديم. أفكاره، وحركاته ونزعاته، لم تكن غريبة عني. في هذه الفترة القصيرة من الزمن، شعرت وكأن كل ذلك التكلف والتحفظ، وكل تلك الحواجز والعادات التي تقف عادة بين الناس، قد انهارت كلها مرة واحدة، وتداعت من أساسها!. . . والمعروف أن تلك الحواجز والعادات، وذلك التكلف والتحفظ لا تسقط بين الناس مرة واحدة، وإنما تسقط تدريجياً الواحدة بعد الأخرى. تسقط مع مرور الزمن. وتوطد أركان المعرفة، وتوثق عرى الصداقة.
وافترقنا بعد أن أعطاني عنوان بيته، ودعاني لتناول الغذاء عنده في اليوم التالي. إلا أنني نسيت الموعد بالضبط حين ذهبت إليه في اليوم التالي، ووصلت قبل الموعد فلم أجده هنالك. فاستقبلني خادم صموت، قادني إلى غرفة الاستقبال، حيث جلست على مقعد وثير وكأنني في بيتي!
إن مشاعر المرء لتختلف بالنسبة للغرف التي يدخلها. . . بعضها يشعرك بالضيق. وبعضها يشعرك بالكآبة، والبعض الآخر منها يشعرك بالبلادة!. . . أن عيوننا كقلوبنا