قادنا الحديث، والحديث ذو شجون، إلى أن يتولى كل بدوره توجيه أسئلة يجب على الآخرين الإجابة عنها. ولما حان دوري أمرت كل السيدات حسب السلطة المخولة لي أن يخبرن الجماعة بصراحة تامة عن الشيء الذي يفعلنه لو أنهن كن في هذا الحصار المذكور وأجيز لهن ما أجيز لتلكم السيدات، فما الذي تأخذه كل منهن على اعتبار أنه جدير بالإنقاذ؟ وقد أجبن إجابات طريفة عن سؤالي أبهجتنا حتى وقت النوم. وقد ملأت هذه الإجابات رأسي بالأفكار المشوشة فحلمت بعد أن نمت الحلم التالي.
رأيت مدينة في هذه الجزيرة - ليس لها اسم - محاصرة من كل الجهات وقد أجبر ساكنوها وضويقوا حتى ضجوا يطلبون لهم ملجأ يحميهم. وقد رفض القائد أي حل سوى تلك المنحة التي ذكرناها في حكاية هنسبورغ أي أن كل سيدة لها الحق أن تخرج آخذة معها ما تراه يستحق الإنقاذ.
وعلى حين غرة فتح الباب فظهر صف طويل من السيدات تتبع إحداهن الأخرى يتمايلن تحت أحمالهن. وقد أخذت مكاني على مرتفع في مخيم العدو في المكان الذي عينه القائد لمقابلة النسوة للنظر فيما يحملن. وكنت شديد الرغبة في رؤية هذه الأحمال.
كانت أولاهن تحمل كيساً على كتفيها، فقد جلست لفتحه بكل عناية، وبينما كنت أنتظر أن أرى زجها خارجاً منه، وجدته مملوءاً بالأواني الصينية. وبدت الأخرى بقوامها تحمل شاباً جميلاً على ظهرها وقد أكبرت هذه الصبية لحبها زوجها، ولكن دهشتي كانت بالغة أقصاها عندما اتضح أنها تركت زوجها المسكين في البيت وحملت صاحبها. وأقبلت الثالثة من بعد بوجهها الجاف، فنظرت إلى حملها الذي لم أشك في انه زوجها، ولكن بعد أن أنزلته عن كتفيها سمعتها تناديه بعزيزي بك فإذا به كلبها المدلل، إذ يبدوا أن زوجها كان في غاية الضخامة فرأت في جلب هذا الكيوبيد الصغير تجنباً لكثير من المزعجات. وكانت التالية زوجة رجل فاحش الغنى، وقد حملت معها حقيبة مملوءة بالذهب، وأخبرتنا أن زوجها قد بلغ من العمر أرذله، وبحسب قانون الطبيعة لن يعيش طويلاً، ولتريه عظم حبها له أنقذت ما يحبه المسكين أكثر من حياته. وكانت الأخرى تحمل ابنها على ظهرها، وقيل لنا إنه من أعظم الفجار الأشرار في المدينة، ولكن على مثل هذا الحنان جبلت الأمهات الرقيقات، فقد تركت خلفها أسرة عامرة بالأمل ومؤلفة من زوج وبنين وبنات لأجل هذا المخلوق الشرير.