أما ترى كيف قد بليت، وقد ... قرح جفني البكاء والسهر؟
إن أنت لم تلق لي المودة في ... صدر حبيبي وأنت مقتدر
لا قلت شعراً ولا سمعت هنا ... ولا جرى في مفاصلي السكر
فما مضت بعد ذاك ثالثة ... حتى أتاني الحبيب يعتذر
ولم يقتصروا على نسبة الشعر للشياطين، بل نسبوا إليهم الغناء أيضاً في العصر الإسلامي، وقالوا إن الغريض كان يتلقى غناءه عن الجن، وأن سماره سمعوا وهو يغنيهم ذات ليلة عزيفاً عجيبا، وأصواتاً مختلفة أفزعتهم، فقال لهم. إن فيها صوتاً إذا نام سمعه، ويصيح فيبني عليه غناءه، فأصغوا إليه فإذا نغمته نغمة القريض فصدقوه.
ولم يقنع أبو النجم أن يكون شيطانه كشياطين الشعراء، فادعى أن شيطانه ذكر وشياطينهم إناث؛ لأن الذكور أقوى من الإناث وأقدر:
وإني - وكل شاعر من البشر ... شيطانه أنثى - وشيطاني ذكر
وروى بعضهم بيت عمرو بن كلثوم في معلقته هكذا:
وقد هرت كلاب الجن منا ... وشذبنا قتادة من يلينا
وقال إن الشعراء كانوا يسمون كلاب الجن، فالمعنى أننا لبسنا الأسلحة فشرع الشعراء يذكروننا.
- ٣ -
ولهم مع شياطين الشعراء أقاصيص ومساجلات، ومحاكمات منثورة في كتب الأدب، نذكر بعضها للتمثيل:
قال جرير بن عبد الله البجلي: (سافرت في الجاهلية فأقبلت على بعيري ليلة أريد أن أسقيه، فأبى أن يتقدم، فدنوت من الماء وعقلته، ثم أتيت الماء فإذا قوم مشوهون عنده، فقعدت ثم أتاهم رجل أشد تشويهاً منهم، فقالوا هذا شاعرهم، وطلبوا منه أن ينشدني، فأنشد:
(ودع هريرة إن الركب مرتحل) البيت
فلا والله ما خرم منها بيتاً واحداً، حتى انتهى إلى هذا البيت:
تسمع للحَلي وسواساً إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرقٌ زجلُ
فأعجبه، فقلت له: من يقول هذه القصيدة؟ قال: أنا، قلت: لولا ما تقول لأخبرتك أن أعشى