للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بني ثعلبة أنشدنيها عاما أول بنجران. قال: فإنك صادق، أنا الذي ألقيتها على لسانه، وأنا مسحل صاحبه، ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس).

وقد لاقى الأعشى هاجسه مسحلا وسمع منه، وقد اعترف في شعره أن مِسحلاً يوحي إليه، بل إنه مصدر وحيه ولولاه ما شعر:

وما كنت شاحوذاً ولكن حسبتني ... إذا مسحل يسدي لي القول أعلق

شريكان فيما بيننا من هوادة ... صفيان: إنسيٌ وجنٌّ موفّق

يقول فلا أعيا بقول يقوله ... كفاني لا عَي ولا هو أخرق

وحاور عبيد بن الحُمارس جِنِّياً بالشعر.

وذكر أبو العلاء أن أبا بكر بن دريد قص على أصحابه أنه رأى فيما يرى النائم أن قائلا يقول: لم لا تقول في الخمر شيئاً؟ فقال: وهل ترك أبو نواس مقالاً؟ فقال له: أنت أشعر منه حيث تقول:

وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجس وشقائق

حكت وجنة المعشوق صرفاً فسلطوا ... عليها مزاجاً فاكتست لون عاشق

فقال له أبو بكر: من أنت؟ فقال: أنا شيطانك، وسأله عن اسمه فقال: أبو زاجية، وخبره أنه يسكن بالموصل.

- ٤ -

وإذا كان العرب قد عزوا شعرهم إلى الجن وتخيلوا أنها تلهمهم ونسبوا كل أمر عظيم إلى عبقر فإن الفرنجة يشبهونهم في كثير من تخيلهم.

يعبر الإنجليز عن العبقرية بكلمة ومصدرها الذي اشتقت منه كلمة ومعناها جن، فبين العبقرية والجن علاقة في اللغة الإنجليزية كالعلاقة التي بين عبقر والعبقرية في اللغة العربية، وقيل إن أصل الكلمة لاتيني يدل على معنيين متقابلين: ملك رجيم وشيطان رجيم، يولد الواحد منهما أو يولدان معاً بمولد الشاعر، ويقصون عن بعض شعرائهم قصصاً تشبه شبهاً قوياً ما روى عن شياطين شعراء العرب، فمثلاً بدا الشاعر (كولردج) قصيدته (كوبلاخان) وأتمها لها جني والشاعر نائم، واستيقظ الشاعر (ماسفيلد) من نومه لينقل عن جني قصيدته (المرأة تتكلم) وأغرب من هذين ما يرويه (وليم بلاك) عن نفسه إذ يزعم أنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>