للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مسكون، وأن ساكنيه ملائكة وشياطين تطارده نهارا، وتوقظه ليلا، لتوحي إليه بما ينظم وحياً لا يستطيع أن يصده، ولا قدرة له على تنضج ما توحي به

ويقول (ريلكة) إنه ظل أسير الأرواح ثلاثة أيام لم ينقطع فيها نظمه، وأخرج ديواناً من دواوينه الروائع، وأعجبه، وألح الجن أن ينشره، فرضى على شريطة أن يكون النشر بعد وفاته حتى لا يتحمل تبعة شعر أملاه عليه جني جالس قبالته.

- ٥ -

ولكن علم النفس يعزو هذا كله إلى العقل الباطن، وقد كشفت الدراسات التي قام بها علماء التحليل النفسي عن كثيرمن عمل العقل عند الفنان، وانتهوا إلى أن الإنتاج الفني يصدر غالباً عن العقل الباطن كأنه حلم يقظة.

ويروي استيفنسن، كيف بدأ هو نفسه يكتب قصته الفنية البديعة (دكتور جيكل ومستر هيد) فيقول: (إن العمل الحقيقي يقوم به مساعد غير منظور، أبقيه أنا داخل حجرة عليا مغلقة. . . يقوم به أولئك الناس الصغار - في الدماغ - الذين ينجزون لي نصف عملي وأنا مستغرق في نومي وربما أنجزوا النصف الباقي وأنا مستيقظ تمام اليقظة حيث أظن أني أنا القائم بالعمل، وكثيرا ما يعلن لي أن أعتبر نفسي غير فنان، بل مخلوقا شأنه شأن بائع الجبن أو الجبن نفسه).

وهذا التصوير المستملح تؤيده إشارات من كتاب آخرين، فهذا فولتير - وقد لس مرة في إحدى مقاصير المسرح يشهد تمثيل رواية من رواياته - يصبح متعجباً. . أحقاً أنا الذي كتب ذلك؟.

وجورج إليوت - ولم تكن تعتقد في وقى نفسية غير طبيعية - تصرح أنها قد خيل إليها وهي تكتب أن عقلا آخر قد استحوذ على قلمها وسيَّره، ويقول جوته إنه كتب أحسن رواية له وهو في غيبوبة حالمة يشبهها بحالة النائم الماشي. وكثير من الأدباء الأحياء صرحوا بهذا، فمثلا بروفسور هوسمان يقول في طريقة إنتاج قصائده: أنا أظن أن إنتاج الشعر ليس عملية فاعلة قدر ما هي قابلة وغير اختيارية.

- ٦ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>