(خيرية) وأطبقت عليها أصابعها - في صمت - وظلتا هكذا برهة، ثم شخصت (سارة) إلى السقف وقالت كأنما ترى من تخاطبه فيه (ليتك كنتِ أخاك!)
ثم ثنت إلى (خيرية) وجهاً ينضح بالبشر ويغري بالعبث والمصارحة، فرفعت (خيرية) حاجبيها وأمالت رأسها على الوسادة ثم ردت وجهها إلى سارة وقالت:
(إنك سعيدة يا سارة. . .)
فسألتها (سارة):
(وأنت؟. .)
قالت خيرية (موزعة. .)
- موزعة؟
- نعم!. . . وعسى أن أكون واهمة. . . ولكنه يخيل إليّ أحياناً أني أحب (عبدة) وهو لاشك يحبني. . . على طريقته. . . حباً صامتاً. . . أخرس. . . يحيرني. . . أعني يا سارة انه يحرك نفسي لحظة ثم يدعها فارغة لا أثر فيها له. . . ليس عنده كلام يقوله. . . ينظر إليّ كأنه يشتهي أن يأكلني بعظامي. . . فهو يخيفني ويفزعني، ويسحرني أيضاً ويجذبني حين يفتح عليّ عينه بهذه النظرة المنهومة، ولكنه يخيفني أكثر مما يسحرني. . . آه لو كان ينطق. . .! ولكنه لا يعرف الكلام. . . ولا المغازلة.
. . . جسمه ضخم ولسانه أبكم. . . فهو قوة مرعبة. . . لو كان يرق فينفي الخوف!
. . . لو كان يشعرني أن الحب يلينه أو يذيبه قليلاً!؟. . . ولكنه ليس مثل. . .)
وأمسكت، ونزعت يدها من يد سارة، وظلتا مفترقتين برهة وهما تفكران في الغزل! (خيرية) في بكم عبدة وفي خلو حبه من هذا العنصر الذي يلطف الوقدة، ويخفف الحدة، ويسلب العاطفة المشبوبة لذعها وكيها، ويجعل الحديث أحلى من التقبيل والعناق. أما (سارة) فقد فتح لها كلام (خيرية) باباً جديداً من التفكير أعانتها دراستها العلمية على ولوجه، فراحت تقول لنفسها إن الغزل ليس عبثاً ولا تكلفاً، وإن الرقة فيه واجبة وليست ضعفاً، وإن الطبيعة لا تزال تطلب التوازن وتسعى له وتحدثه، فلولا رقة الرجل القوي، في غزله، لأرعب المرأة حبُّه ولما احتملته، وهو حين يجثو أمامها ويريح خده على ساقها، أو يناجيها بهواه ويشكو إليها ضعفه عن احتماله، ويصف لها ضيق صدره بما يجن، وقلبه