والكذب وعلى ترك الأصح من الأفعال إلى ما ليس بأصح وأحالوا أن يوصف الله بالقدرة على عذاب المؤمنين والأطفال وإلقائهم في جهنم لأن المخلوق العاقل في رأيهم يقدر أن يفعل الشر كما يقدر أن يفعل الخير لأن إرادة الإنسان الحرة يمكنها أن تختار بين الخير والشر وهي تثاب أو تعاقب حسب ما اختارته من أعمال. ولكن لا يوجد هذا الاختيار في قدرة الله، لأن قدرته تعالى على قول هؤلاء المعتزلة لم تزل متجهة فقط نحو الخير المطلق. وللنظام حجته في ذلك. فهو يقول: أن القبح إذا كان صفة ذاتية للقبيح وهو المانع من الإضافة إليه فعلا ففي تجويز وقوع القبيح من الله تعالى قبح أيضاً! فيجب أن يكون مانعاً. ففاعل العدل لا يوصف بالقدرة على الظلم، لأنه لو وصف بالقدرة عليه لكان عنده ميل إلى الظلم. وهذا الميل نقص وضعف مما يناقض ماهيته تعالى الكاملة. وخلافا لمن زعم من المعتزلة أن الله يقدر على أن يظلم، يقول النظام إننا لا يمكننا أن نصف الله بهذه القدرة لأن ذاته تعالى لم تزل ثابتة وليس فيها أي ضعف أو عجز. لذلك يقول النظام أن الله لا يقدر على أن يفعل لعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم، كما انه لا يوصف بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئاً، ولا على أن ينقص من نعيم أهل الجنة، ولا أن يخرج أحداً من أهل الجنة. وليس ذلك مقدوراً له لأن الظلم والكذب لا يقعان إلا من جسم ذي آفة. فالواصف لله بالقدرة عليهما قد وصفه بأنه جسم ذو آفة. ثم هناك قول آخر شديد لأبي جعفر الإسكافي في هذا الصدد إذ يقول أن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم الله بها عليها على أن الله ليس بظالم لها. والعقول تدل بأنفسها على أن الله ليس بظالم. فليس يجوز أن يجامع دفوع الظلم منه ما دل لنفسه على أن الظلم ليس يقع منه.
هذان القولان: القول بقدرة الله على الظلم والقول بعدم قدرته تعالى عليه، ولو أنهما مختلفان إلا أن النتيجة التي يصلان إليها واحدة وهي أن الله لا يظلم أبداً حتى ولو قدر على الظلم. إلا أن أصحاب القول الأول بنوا رأيهم على فكرة وجود الاختيار عند الله في حين أن أصحاب القول الثاني لا يقولون بهذا الاختبار لأن الله في زعمهم غير مختار وهو الكمال المطلق، والاختيار تفضيل أمر على أمر وهذا ليس من خصائص الله تعالى. والذي جعل أصحاب القول الأول يتراجعون ويقولون إنه تعالى لا يأتي الظلم هو أن الظلم قبيح في ذاته وأن الله كمال مطلق. فالفارق بين هؤلاء وهؤلاء فارق نظري بحت.