من ناحية الاصطلاح اللفظي ولا يختلف كثيراً من ناحية المضمون المعنوي.
فالفلسفة الوجودية والفلسفات الحديثة عموماً تضع كلمة الممكن في مقابل الاصطلاح الأرسطي (الوجود بالقوة)، وتضع كلمة الوجود للتعبير عما هو قائم في حدود الأشياء الماثلة أو داخل ضمن الكائنات الحية وكل امتياز للممكن على العدم يتلخص في قدرته على أن يكون، وفي احتوائه على ما يمكن أن يهيئ له الحياة، وفي شموله على المعبر الذي يمكن أن ينقله إلى دائرة الوجود. ولما كان الأمر كذلك بالقياس إليه، فقد صاحب الإنسان عند مواجهته شعور بالإبهام لا يستطيع أن يفسره إلا على أساس من جهله بهذا الشيء - أستغفر الله - بل بهذا اللاشيء. وكلما كان الإنسان في عهد مبكر، وكلما قلت تجاربه وضعفت خبرته كان أقرب إلى هذا الشعور بالجهل. فالوقوف بازاء المجهول من شأنه أن يولد في النفس إحساساً غريباً بتعدد الوجوه التي يمكن أن تتصور فيها الأشياء، وبكثرة الخطط التي يمكن أن تؤدي إليها المسالك، وبقوة الاحتمال فيما هو ممكن غامض. وإذا زاد الجهل بالإمكانيات إلى هذا الحد استشعر الإنسان بالحرية على نحو لا يمكن أن يخايل صاحب المبدأ في المشاكل التي تعرض له، أو صاحب المنهج في المباحث التي يوقف نفسه عليها. فالمبادئ والمناهج لا تأتى إلا من كثرة التجارب ومن اعتياد المضي بالأمور على أنحاء محدودة. أما الجهل بما يترتب على فعل من الأفعال وعدم انتظار نوع بالذات من أنواع الموجودات عقب إتيان أمر من الأمور، فمن شأنه أن يولد في صدر الإنسان ضرباً من الحرية، وطرازاً في الاختيار يندر وقوعه في غير هذه الظروف. فالجهل حليف من حلفاء الحرية لا يمكن إنكار أثره أو إهمال مفعوله عندما نحاول أن نقيم نظرية في الاختيار على أساس نظرية في الوجود.
ونستطيع أن نثبت هذا الشعور بالحرية لدى الجاهل عن طريق الأمثلة: فالأديب الذي يجهل المراجع الهامة في بحثه يكون أكثر حرية في الكلام من الأديب الذي يستوعب كل ما يكون قد قيل أو كتب حول الموضوع الذي يختص به! والسياسي المبتدئ يشعر للحرية برنين لا يمكن أن يطن في أذن السياسي المحنك. . . وقس على هذا المنوال بالنسبة إلى أي شخص في موقف من هذا القبيل، أو عندما يواجه أمراً من الأمور لأول مرة. وليس عبثاً ما كان قد جاء على لسان اسبنوزا في موضوع الحرية من أن الإنسان كلما ازداد علماً