دهيت بهذا الحب منذ هويث ... وراثت إراداتي فلست أريث
كلفت بألفي منذ عشرين حجة ... يجول هواها في الحشا ويعيث
وغيرّ منها قلبها لي نميمةٌ ... نماها أحم الخصيتين خبيث
وما نلت منها محرماً غير أنها ... إذا هي راثت رثت حيث تروث
قال ابن شهيد:(فاستضحك زهير وتماسكت، وقلت للمنشدة ما هويث؟ قالت: هويث بلغة الحمير؛ قلت والله أن للروث لرائحة كريهة، ولقد كان أنف الناقة أجدر أن يحكم في الشعرين، فقالت فهمت عنك) ثم يتفكه ابن شهيد في القول اكثر فيقول (وقالت لي البغلة: أما تعرفني أبا عامر؟ قلت لو كان ثم علامة، فأماطت لثامها فإذا هي بلغة أبي عيسى، والخال على خدها فتباكينا طويلا! وقد أخذنا في ذكر أيامنا فقالت: ما أبقت الأيام منك؟ قلت ما ترين! قالت: شب عمرو عن الطوق! وما فعل الأحبة، قلت شب الغلمان، وشاخ الفتيان، وتنكرت الأخلاق ومن إخواننا من بلغ الأمارة، وانتهى إلى الوزارة؛ فتنفست الصعداء، وقالت؛ سقاهم الله سبل العهد، وان حالوا عن العهد، ونسوا أيام الود. .)
فالرجل كما ترى فكه ظريف، وفي رسالته كثير من الفكاهات النوادر، وكلها على غرار هذه الفكاهة ملاحة وخفة وطرافة، وإنما براعة الرجل تظهر أكثر في تصويره - كما قلنا - لأحوال الشعراء والكتاب، ووصف ميولهم، والتحدث عما جرى له معهم، ولعل من أعذب ماله في ذلك، وصفه لما جرى بينه وبين صاحب أبي نواس، ذلك الشاعر الذي قطع العمر في نشوة السكر، وشرك الخمر، واستطراده في الحديث عن (دير حنة) مقام هذا الشاعر وما أشتمل عليه من الرهبان والغزلان!! فقد أجاد الرجل في ذلك وأبدع؛ أنظر إليه وهو يصور ذلك فيقول (ثم قال لي زهير فمن تريد، قلت صاحب أبي نواس قال هو (بدير حنة) قد غلب عليه الخمر، فركضنا ساعة، وجزنا في ممرنا بقصر، فقلت لمن هذا القصر يا زهير؟ قال لطوق بن مالك أبي الطبع صاحب البحتري، فهل لك أن تراه؟ قلت: أجل، إنه من أساتيذي وقد كنت أنسيته، فصاح يا أبا الطبع، فخرج لنا فتى على فرس أشهب وبيده قناة، فقال له زهير: إنك موفق، قال لا، صاحبك أشمخ مارنا من ذلك لولا تنقصه!! قلت يا أبا الطبع إن الرجال لا تكال بالقفزان، وأنشدنا من شعرك فأنشد: