فكأن النجوم بالليل جيش ... دخلت للكمون في جوف غابها
وكأن الصباح قانص طير ... قبضت كفه برجل غراب
فكأنما غشى وجه أبي الطبع قطعة من الليل، وكر راجعاً إلى الوراء دون أن يسلم، فصاح به زهير أأجزته؟ قال أجزته لا بورك فيك من زائر!!
قال ابن شهيد (ثم سرنا حتى انتهينا إلى (دير حنة) فضرب زهير الأدهم، فسار بنا في قنته، ففتق سمعي قرع النواقيس فقلت فصحت عن منزل أبي نواس ورب الكعبة، وسرنا نجتاب أدياراً وكنائس وحانات إلى دير عظيم تعبق روائحه، وتضوع نوافحه، فوقف زهير ببابه وصاح به: سلام على أهل (دير حنة) فأرقلت نحونا الرهبان مشدودة الزنانير، قد قبضت على العكاكيز، مبيضّة الحواجب واللحى! مكثيرين للتسبيح، عليهم هدى المسيح، فقالوا أهلا بك يا زهير من زائر، وصاحب أبي عامر، ما بغيتك؟ قال (حسن الدنان)، قالوا: إنه لفي شرك الخمر منذ أيام عشرة، وما نراكما منتفعين به، فقال وعليّ أنا ذلك، ونزلنا وقادني إلى بيت قد اصطفت دنانه، وعلفت غزلانه، وفي دير حنة شيخ طويل الوجه والسبلة، قد افترش أضغاث الزهر، واتكأ على زق خمر، وبيده طرجهارة وحواليه صبية كالظباء، فصاح به زهير: حباك الله أبا الإحْسان، فجاوب جواباً لا يعقل لغلبة الخمر عليه، فقال لي زهير: اقرع أذنيه بإحدى خمرياتك، فانه ربما تنبه لبعض ذلك، فصحت أنشد:
في فتية جعلوا السرور شعارهم ... متصاغرين تخشعاً لكبيره!!
والقس مما شاء طول مقامنا ... يدعو بعود حولنا بزبوره
وترنم الناقوس عند صلاتهم ... ففتحت من عيني لرجع هديره
فصاح من حبائل نشوته. أأشجعي؟ قلت: أنا ذاك، فاستدعى ماء قراحا فشرب منه وغسل وجه فأفاق، واعتذر إليّ من حاله، فأدركتني مهابته، وأخذت في إجلاله لمكانه من العلم