لنبوغه وعبقريته، والواقع أن الغرور صفة تكاد تكون ملازمة لكل أديب، وقد يكون ابن شهيد مغروراً في نفسه إلى أبعد حد، ولكن كلفة بالتفوق على الشعراء والكتاب لم يكن مبعثه الغرور، كما حسب الدكتور مبارك، فان الرجل كما قلنا كتب رسالته في جماعة من معاصريه، حطوا من قدره حسداً له، وغمطوه فضله حقداً عليه، فأراد أن يطلعهم على مكانته في الأدب، وأن يبين لهم قدرته حسداً له، وغمطوه فضله حقداً عليه، فأراد أن يطلعهم على مكانته في الأدب، وأن يبين لهم قدرته في الشعر والنثر، ولذلك فهو يحصر على الظهور أمامهم بالتفوق والتغلب، ليس في إجازة الشعراء والكتاب فحسب! بل إنه ليذكر أن التوابع والزوابع احتاروا في أمره، وشدهوا لقدرته في الشعر والنثر والخطابة، وأن أحدهم فتن ببيت من شعره فقام ينشده ويرقص، وأنه قرأ عليهم رسالته في وصف الحلواء فأعجبوا بها أيما إعجاب، وقالوا (إن لسجعك موضعاً من القلب، ومكاناً من النفس، وقد أعرته من حلاوة طبعك، وحلاوة لفظك، وطلاوة سوقك، ما أزال أفنه، ورفع غبنه، وقد بلغنا أنك لا تجاري في أبناء جنسك) وأظن في الجملة الأخيرة ما يكفي للفصل بيننا وبين الدكتور زكي مبارك.
على أن ابن شهيد لم يقف عند هذا الحد من التعالي وإظهار التفوق أمام معاصريه، بل راح يحط من قدرهم، ويتهكم بعلمهم وأدبهم فوصفهم ببلادة الطبع، فهم - كما يقول - ينحتون عن قلوب غليظة كقلوب البعران، إلى فطن حمئة، وأذهان صدئة لا منفذ لها في الرقة، ولا مدبّ في شعاع البيان، كل بضاعتهم من الأدب، كلمات من غريب اللغة، وبعض مسائل من النحو والصرف لا يفهمون منها إلا ما يفهم القرد اليماني في الرقص على الايقاع، والزمر على الألحان. . . قال ابن شهيد:(ومن خلق هذه العصابة أنهم إذا لمحتنا أبصارهم قابلونا بالملق، وهم منطوون على الحسد والحنق، فإذا جمعتنا المحافل، وضمتنا المجالس، نراهم إلينا مبصبصين، وإنما يتبين تقصير المقصر، وفضل السابق المبرز إذا اضطكت الركب، وازدحمت الحدق، واستعجل المقال.