للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجوامع جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والذاعي على جانبيه والقراء يقرءون نوبة بنوبة وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعراً يرثون به أهل البيت عليهم السلام؛ فإن كان لوزير رافضاً تغالوا، وإن كان سنياً اقتصدوا. ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل ابسط وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب لتفرش، ويجدون صاحب الباب جالساً هناك فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القراء وينشد المنشدونأيضاً ثميفرش عليها سماط الحزن وفيه مقدار ألف زبديه من العدس والملحات والمخللات والاجبان والألبان الساذجة وأعسال النحل والفطير المغير لونه بالقصد فإذا قرب الظهر وقف صاب الباب وصاحب المائدة أدخل الناس للأكل منه فيدخل القاضي والداعي ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير والمذكوران إلى جانبه وفي الناس من لا يدخل ولا يلزم أحداً بذلك فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباناً بذلك الزي الذي ظهروا فيه وطاف النواح في القاهرة ذلك اليوم وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر فيفتح الناس بعد ذلك ويتصرفون. أما الدولة الأيوبية فقد اتخذت يوم عاشوراء عيداً ومن أيام الأفراح لإرغام أناف الشيعة وإيذائهم.

هذا هو أثر فاجعة كربلاء في التاريخ الإسلامي.

أما في الأدب العربي فقد أوجدت فيه ناحية قائمة يعلو فيها الصراخ والعويل وتردد في جوانبها الثورة على الظلم القبيح وامتداح الإباء وشرف النفس والتمنع عن دنايا الأمور. كان هذا القسم من الأدب العربي طافحاً بتصوير مآسي كربلاء بخطوط واضحة سوداء وأجتهد في أن يبرز كل جانب من جوانبها مؤلماً يهطل بالدموع ويثير الآهات والحسرات خاصة بعد أن ترديد فاجعة كربلاء على الجماهير مهنة تدر الربح الوفير كما كان حال النواح والمنشدين في العصر الفاطمي بمصر كما تقدم على ما نقل المقريزي في الخطط وكما هو الشأن اليوم في العراق وإيران والهند وجبل عامل وغيرها من الأصقاع الشيعية، ويدعى هؤلاء (خطباء المنبر الحسيني) ويسمون في اللغة الفارسية (روزه خون) وهي تحريف (روضة خون) أي قارئ الروضة الإمام الشهيد يعني قبره الكريم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>