ترد الجوهر الهدف معاً إلى تلك الدوافع التي حدثتك عنها من قبل، ولك أن ترد تلك الدوافع إلى مصدر واحد هو مركب النقص. . . يريدون أن يحصروا الأدب المصري في بيئتهم لأنهم لا يعرفون غير هذه البيئة، ويريدون أن يفرضوا على الأدب المصري في بيئتهم لأنهم لا يعرفون غير هذه البيئة، ويريدون أن يفرضوا على الأدب المصري الحديث ألا يتحدث بغير لغتهم لأنهم لا يفهمون غير هذه اللغة، يريدون أن يقصوا أجنحة الأدب المصري إذا حلق في غير أفقهم لأنهم لا يطيقون غير هذا الأفق، ويريدون أن يكتموا أنفاس الأدب المصري إذا عب من هواء الحرية في غير جوهم لأنهم لا يستطيبون غير هذا الجو بما فيه من هواء. . . ولا بأس من الجمود والركود، ولا بأس من الخمول والرجعية، ولا بأس من البقاء في المعاقل دون التطلع إلى ما وراء الأسوار. لا بأس من هذا كله ما دمنا نريد أدباً مصرياً، أدباً يمثلنا، أدباً لا يصح أبداً أن يتخطى حدود الزمان والمكان!!
أدب محلي هذا الذي يريدون، لأنهم لا يدركون أثر العالمية في الأدب ولا قيمتها في حساب الخلود. . . كلا يا أصحاب الصيحة السافرة وغير الصاخبة، أننا نريد أدباً إنسانياً لا مصرياً، أدباً يقرؤه الذين هنا والذين هناك، أدباً يفتش عن مصادر الإلهام ومنابع الوحي في كل قطر من الأقطار وكل بقعة من البقاع، أدباً يخاطر الوجدان في كل نفس بشرية ويستنطق الحياة أينما طافت عدسته بمواكب الأحياء، أدباً يطالعه القارئ من كل جنس ولون فيحس أنه قد كتب له، أدباً يصوّر الخلجة كما تضطرب في أعماق اصدر، والخفقة كما تهدر من أغوار القلب، والنزعة كما تنحدر من أوكار النفس، والنزوة كما تتنزى بين قيود الطبع. . . وهذه هي المرآة الصافية المصقولة التي تلتقي على صفحتها كل الوجوه، وتتألف كل المشاعر، وتتعانق كل الأرواح. هنا وفي كل أرض يرتفع فوق ثراها صوت الفن، وترفرف في سمائها راية الفكر، وتتجاوب في أرجائها صيحات الباحثين عن أنفسهم في زحمة هذا الوجود!!
أنك لن تجد في فرنسا من يقول نريد أدباً فرنسياً، ولن تجد في روسيا من يقول نريد أدباً روسياً، ولن تجد في ألمانيا من يقول نريد أدباً ألمانياً، ولن تجد في إنجلترا من يقول نريد أدباً إنجليزياً. . . ذلك لأن الأدباء في كل بلد من تلك البلاد قد فهموا رسالة الفن كما يجب