وأختتم الحفل بكلمة فياضة من المحتفى به، دارت حول حق المعلم في رعاية الدولة، وحق الأمة في تعليم أبنائها بالمجان في جميع مراحل التعليم؛ وقد دعا إلى (تأميم التعليم) بأن تدبر الدولة كل معاهدة، وتيسره لكل راغب، وتأتي بالمعلمين منكل قادر على أن يعلم شيئاً، فلا تقتصر على خريجي الكليات ومعاهد التربية وحاملي الشهادات، وقد سخر من (البيداجوجيا) ذهباً إلى أنه لا ينبغي لها أن تقف في سبيل نشر التعليم، وأنه لا ينبغي أن ننتظر حتى نتمكن من بناء المدارس الفخمة وتأثيثها بفاخر الأثاث، بل يجب أن نتعلم في أي مكان وعلى أية حال، حتى يتاح لنا أن نأخذ بأسباب الكمال، وضرب أمثالاً لذلك منها أن المصريين في القرى لا يستطيعون أن يمسكوا عن شرب الماء حتى يصفى لهم.
ذلك، ولقد لوحظ أن خطباء الحفل وشعراءه أجمعوا على إبراز شيء كان يجب - إن لم يكن منه بد - أن يكون (مضمراً) فلم تخل خطبة أو قصيدة من الآمال والمطالب، حتى ليمكن أن يقال إن نصيب أصاحب الحفلة من أنفسهم كان أكثر من نصيب المحتفل بتكريمه. ويمكن أيضاً أن يقال إن تكريم المعلمين لآمالهم كان أكثر من تكريمهم للرجل الذي احتشدوا لتكريمه. . . وقد جعل الخطباء والشعراء يجاذبون هذا المعنى، حتى جاء الخطيب الأخير، فرقَّم المطالب بأول وثان وثالث. . . فهذا (الجدول) المرهق للمعلم المسن في المدارس الحرة، وغيره مما لا أطيل بذكره. ولست أدري كيف غاب عن المعلمين أن الدكتور طه حسين بك ليس الآن في منصب بحيث يقال له ذلك، والقوم جديرون بالإنصاف والتقدير، والرجل أهل لصنع المكرمات، ولكن لكل شيء وقته ولكل مقام مقال.
وقد كثر الخطباء والشعراء، وأطالوا، حتى كاد ينقلب التكريم إلى ضده. ويبدو مع ذلك أنه كان هناك آخرون يبغون القول، غير من قالوا، وقد أفلت شاعر من الذمام ووقف يلقي قصيدته دون أن يُقدَّم غير عابئ بغيظ المنظمين. . وكلما قوطع قال: لم يبقى إلا بيتان!
وقد شاهدت بعض (المظطهدين) في وزارة المعارف ولسان حالهم يبغي اللياذ. . كما رأيت بعض كبار الموظفين في الوزارة يحيطون بالدكتور طه حسين، وقد سألت نفسي: هل كان هؤلاء يُلمحون بهذا المقام في غير هذا الظرف؟ ما أحسب الدكتور طه إلا يتعب كثيراً، كان الله له.