للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظن أن هذه الليالي التي غلب الخمر فيها عقل من يهوى، والتي يصف واحدة منها بقوله:

وزيارة من غير وعد ... في ليلة طرقت بسعد

بات الحبيب إلىالصباح ... معانقي، خدا لخد

يمتار في وناظري ... ما شئت من خمر وورد

قد كان مولاي الأجل ... فصيرته الراح عبدي

ليست بأول منة ... مشكورة للراح عندي

لم تكن مع هذه القريبة المحتشمة.

وقد ذكرنا أن أبا فراس قد أخذ بنصيب من اللهو، ولعله كان يرى أن الحب لا يحول بينه وبين المتعة، إذا ظفر بها.

ومن مجموعة شعر أبي فراس نستطيع أن نرسم صورة للمرأة المثالية عنده، فهي البيضاء، المتوردة الخد، الفاترة الجفن، ذات الشعر الفاحم، الممشوقة القد، الناهدة الصدر، الهيفاء الخصر، في غير هزال.

وتغزل أبو فراس بالغلمان كذلك؛ وإن هذا الداء الوبيل قد وجد سبيله إلىقلب شاعرنا؛ وكانت البيئة التي عاش فيها تساعد عليه؛ فقد كان أميره ومثله الأعلى سيف الدولة يعشق غلاما تركيا اسمه يماك.

تغزل أبو فراس في غلمانه، وترك من هذا الغزل مقطوعات قصيرة كذلك، وبعضها يفيض بالرقة والحنان، يقول:

الورد في وجنتيه ... والسحر في مقلتيه

وإن عصاني لساني ... فالقلب طوع يديه

يا ظالما، لست أردى ... أدعو له، أم عليه

واسم هذا الغلام منصور، وله غلمان أخر، وإن كان لمنصور الغلب على قلب الشاعر. ولسنا ندري جنسيته على وجه التحقيق، ولا أن كان المقصود بتلك الأبيات التي يتغزل فيها بمملوك فارسي، وقد أستغل الشاعر فيها معركة ذي قار، التي كانت لقبائل العرب ومن بينها تغلب قبيلة الشاعر على الفرس، وقد أحسن هذا الاستغلال حين قال:

بأبي شادن، بديع الجمال ... أعجمي الهوى، فصيح الدلال

<<  <  ج:
ص:  >  >>