وأهمس في أذنه ضاحكا: إذا مت قبلي فلا تخف. . . سأكتب عنك مقالا! ويغرق علي طه في الضحك ثم يقول: وأنت أيضا لا تخف. . . سأرثيك ببيت من الشعر! إن مقالا واحداً من الكاتب لا يستحق غير بيت واحد من الشاعر. . . ويعود علي طه فيتحدث عن الحياة، وينشد من أشعاره، ويروي من أخباره، ويحلق ما شاء له التحليق على جناح الذكريات!
يا أخي. . . يا صديقي. . . يا أيها اللطيف الذي مر بدنياي مرور الطائر الغريب رفرف في سماء الله. . . يا أيها الحلم الذي أيقظ الدجى في خيالي ثم أغفى على جبين الصباح. . . يا أيها الأمل الذي عانق قلبي عناق النسمة العابرة لضفاف جدول ضمآن. . . يا آيها الشعاع الذي رقرق النور في حسي ثم أفرغ في كأسي مرارة الظلام. . . . يا أيها الشراع الذي هز بالشدو شاطئ وقَّبل أمواجي ورحل قبلي إلىالشاطئ المجهول. . . وأشواقنا التي استحالت في معبد الحب دعاءً وصلاة!!
يا أخي. . . يا صديقي إن وفاءك يطوق عنقي. إن دينك يثقل كاهلي. . . لقد تحدثت في هذا العدد عن علي طه الصديق، والإنسان أما في الأعداد المقبلة. . . فسيكون الحديث عن علي طه الشاعر والفنان.
دمعة وفاء من حقيبة البريد:
صورة يتبعها نعي. . . لمن الصورة. . . ولمن كان هذا النعي الطويل يا علي؟. . . . أحقاً أنك أنت يا شاعر؟. . . أحقاً أنك تتوارى عن الحياة التي ملأتها نغماً؟. . . أحقاً أنك أنت يا شاعر؟!
جمعتني به الحياة على شطها ألفاني قبيل مرضه بقليل. . . وطال بيننا الحديث. . . وحديثه حلو طويل. . . يسمعه السامع فلا يمل. . . . ويستزيد!. . . قال لي في ختام حديثه: من ينعيني بعد موتي. . . إنني أحس المنية تقربني. . . أتنعينني يا فتاة؟!. . . ما كنت أعلم حين سألتك عما أقول في نعيك بعد موتك. . . وحين قلت لك مازحة أأقول فيك:
يا راحلاً عن فتنة الدنيا التي ... ملئت من الأكدار والأحزان
ما كنت أعلم حين أجبتني: لا. . . دعي ذلك لأهل الزهد، وقولي في:(مات شاعر الغيد الحسان. . . مات عابد الحسن والجمال). إن هذا يكفيني أن يكون من إحداهن!