ودريئتي من الفاقة العاتية. . . أذرها يتناهبها الفلاحون وما فيهم إيمان ولا أمانة؟ ثم قر قراري فتركت الصبية يسافرون إلى القاهرة. . . تركتهم بين يدي القدر.
وجاءتني رسالاتهم تترى فأحسست كأن كل رسالة تحمل في طياتها أذى نفسي وضنى قلبي، ثم جاءت رسالة تقول: (وقضينا الليلة الماضية في حال من الفزع يفرق له الشجاع، وفي رهبة من الرعب يخشع لها الأيَّد، وفي رعدة من الذعر يرتاع لها الجليد. فلقد أحسسنا باللص يتسلق أنابيب المياه حتى أوشك أن ينقضّ علينا لولا أن ندّت من أختي صيحة مضطربة طار من هولها اللص، وتبدد من شدتها الأمان من قلوبنا، وكانت لفحات القر القاسية تلفحنا فتكاد أطرافنا تتجمد من زمهريرها، والريح رفرافة تئن أنيناً تنخلع له أفئدتنا، فلصق بعضنا ببعض مثلما يلصق أجراء بأمها في ليلة قرة تلتمس الدفء والأمان. وعصف بنا الخوف فما غمضت أجفاننا حتى انطوى الليل وبزغت الشمس. . .
لشد ما أصابني الجزع والذهول مما سمعت من كلام صغاري وهو يخز قلبي وخزات قاسية عنيفة تقضّ مضجعي وتفزعني عن القرار!.
وعند الصباح ودعت القرية لألحق بصغاري، ورضيت بالشظف لأكفل لأفراخي الأمان والهدوء.
وها أنا الآن كما ترى - يا صاحبي - أعاني عنت الحياة وضيق العيش وغلظة الأيام، أتعثر في مهاوي الضياع، تتعاوني نوبات من الألم النفساني فما يمسكني إلاّ حب الولد. . . الولد الذي أطمع أن أراه رجلاً يمسح عني أتراحي بيده الحبيبة ويزيح عني أشجاني بكلماته الرفيقة. . .