فلسطين ومصر أولها رفح من جهة الشام وآخرها الخشبي متصلة برمال تيه بني إسرائيل وكلها رمال سائلة بيض في غربيها منعطف نحو الشام بحر الشام وفي شرقيها منعطف نحو الجنوب بحر القلزم (البحر الحمر) وسميت الجفار لكثرة الجفار بأرضها ولا شرب لسكانها إلا منها رأيتها مراراً. ويزعمون أنها كانت كورة جليلة في أيام الفراعنة إلى المائة الرابعة من الهجرة، فيها قرى ومزارع، أما الآنففيها نخل كثير ورطب طيب جيد وهو ملك لقوم متفرقين في قرى مصر يأتونه في أيام لقاحه فيلقحونه، وأيام إدراكه فيجتنوه، وينزلون بينه بأهليهم في بيوت من سعف النخل والحلفاء. وفي الجادة السابلة إلى مصر عدة مواضع عامرة يسكنها قوم من السوقة للمعيشة على القوافل وهي (رفح والقس والزعفا والعريش والواردة وقطية) في كل موضع من هذه المواضع عدة دكاكين يشتري منها كل ما يحتاج المسافر إليه. . .
قال أبو الحسن المهلبي في كتابه الذي ألفه للعزيز وكان موته سنة (٣٨٦هـ) وأعيان مدن الجفار العريش ورفح والواردة، والنخل في جميع الجفار كثير وكذلك الكروم وشجر الرمان، وأهلها بادية متحضرون ولجميعهم في ظواهر مدنهم أجنة وأملاك وأخصاص فيها كثير منهم، يزرعون في الرمل زرعاً ضعيفاً يؤدون فيه العشر، وكذلك يؤخذ من ثمارهم.
ويقطع في وقت السنة إلى بلدهم من بحر الروم طير من السلوى يسمونه المُرغ (الفر) يصيدون منه ما شاء الله يأكلونه طرياً ويقتنونه مملوحاً. ويقطع أيضاً إليهم من بلد الروم على البحر في وقت من السنة جارح كثير فيصيدون منه الشواهين والصقور والبواشق، وقلما يقدرون على البازي. وليس لصقورهم وشواهينهم من الفراهةما لبواشقهم. . .
وليس يحتاجون لكثرة أجنتهم إلى الحراس لأنه لا يقدر أحد منهم أن يعدو على أحد، لأن الرجل منهم إذا أنكر شيئاً من حال جنانه نظر إلى الوطء في الرمل، ثم قفا ذلك مسيرة يوم ويومين حتى يلحق من سرقه. وذكر بعضهم أنهم يعرفون أثر وطء الشباب من الشيخ والأبيض من الأسود والمرأة من الرجل والعاتق من الثيب؛ فإن كان هذا حقاً فهو من أعجب العجائب. (معجم البلدان ٣ - ١١٣).