للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نائمة، ثم يهوي بك إلى كثيب تنوء به ساقاها.

ونشأت (مقطَّفَة) في حمى اليتم، فكفلها أخواها تحت جناحيْ رحمة، وجمعا لها زخرف الثياب والعقود والأقراط، وجمَّلا قدميها بخفين فيهما كل طلىّ من صنع المدينة، وضربا لها خدراً كريماً بين الحمى، فإذا أقلها الخدر وربض أخواها ببابه بات عريناً دونه جبهة الأسد.

وكرّت مقطفة إلى مشرع الخليج وحولها أتراب من الغواني، فأشرق النجد أغواره ورباه، ونضت ثيابها عن قامة كالغصن، فغمرها مدلا بروعة حسنها، ونسج الأتراب من معاصمهن حولها شفقاً رقيقاً كالذي نراه عند مغيب الشمس، فكانت غرّتها تشرق بينهن ثم تغرب في دجى فرعها.

وقدمت فصيلة من جنود الإنجليز إلى الخليج أفراداً وجماعات حتى أكملوا المائة، فنزعوا نعالهم الغليظة، وبعثروا فوق الثرى قلانسهم ومناطقهم، ثم نضوا بقية الثياب وافترشوا أديم الأرض، يستقبلون النيل في فورته واندفاعه إلى الخليج، وكانوا بمعزل عن أهل الحي تحجبهم هضاب وشعاب.

وخرج من صفوفهم فتيان يسبحان في الماء، وظلا في مرح واستباق وتراش بالماء، حتى رنت في أفقهما أغاريد بنات الحي من أقصى الخليج، فهوى أحدهما إلى القاع يسترق الخطى ويسبح الهوينا، حتى كشف له عذاري النجد كالحلقة المفرغة حول (مقطفة).

فخلب لبه ما صاغ المشرق من الحسن، فهو كامن في أفنان النخيل، وطيف النسيم العليل، وصفاء الماء السلسبيل، وملاحة ذلك القد الأسيل.

وسرّح الإفرنجي حدق المأخوذ في دمية النجد وغانية الحي، وبهره وضح جبينها ودقة تكوينها، وسولت له الفتنة أن يستقي حميا ذلك الثغر المصفى.

ونم على الذئب حر أنفاسه فنفر الظباء في ذعر وفَرَق، وتخلفت مقطفة تجمع أشتات العقود والعصائب، وأسبلت قميصاً فضفاضاً يجري ماء الحسن من جيبه إلى ذيله، وهمت في إثر أترابها لولا أن لاحقها الإفرنجي فرأت بشراً من غير معدنها في قميص مندى يكاد يلوكها بماضغ عينيه، ويعتصر جموح غريزته الملحة، فمد يمينه إلى جيدها الغضّ، ولكنها انتثرت كما ينتثر العقد بدراً، وفرت إلى خدرها تملأ الحي رجعاً موجعاً والرجل يشتد في إثرها، وتعلقت فتاة الحي بدروة خدرها ولوحت لأهلها بالعصائب القرمزية فكانت نفير

<<  <  ج:
ص:  >  >>