ثم ظهرت أمام العاشق الجديد فجأة بحركة مباغتة. كان حسن نفسه بلحمه ودمه وهو منكمش تحت النافذة. ورفعت البرقع عن وجهي وأنا مفترة الثغر عن بسمة رقيقة، ولبثت بضع لحظات أحدق في وجهه بنظرات تنبض باللطف والإغراء وانتابه حالة من الذهول الشديد، فجمد في موضعه وهو متسع العينين دهشة، فاغر الفم في بلاهة وتبلد كمن لا يفهم لما يراه معنى. ثم واصلت سيري بخطوات متمهلة وأنا أتلفت ورائي بين لحظة وأخرى كأنني أدعوه إلى تعقبي. وابتعدت عنه وهو ثابت في وقفته كالتمثال، وكدت أيأس من استجابته للفتاتي ثم رأيته يتحرك فجأة في ذهول كأنه واقع تحت سلطان قوة خفية. وغاب دارنا عن أنظاري بين المنعطفات التي اجتزتها، ودخلت درباً يكاد يكون مقفراً من السابلة، وحسن لا يزال يتبعني بخطوات بطيئة مترددة، وكلما ازداد اقترابه مني اشتدت ضربات قلبي واندفع الدم في شراييني حاراً لاهباً وتضرمت في لأعماقي لذة مبهمة. ودنوت من منعطف يؤدي إلى شارع عام فتوقفت عن السير، ودرت على أعقابي بحركة بطيئة وانتصبت أمامه وجها لوجه وعلى ثغري ابتسامة رقيقة. كنت أشعر تلك اللحظة أن رأسي قد ألتهب وجسمي قد تخدر وأخذ يرتعش وطأة تيارات غريبة تمسني مس الكهرباء. أما هو فوقف صامتاً وكل جزء من أجزاء وجهه يعكس عواطف قلبه المصطخبة. ومرت لحظة صمت، ثم همهم بصوت مرتعش وشفتين مرتجفتين:(أنا عبدُك).
لا ادري ماذا حدث لي تلك اللحظة، ولكنني أذكر أنني لمحت عامر ينعطف من الشارع ويدخل الطريق، فاندفعت أصيح بحركة لا إرادية:(أنقذوني. . أنقذوني). فهرع إلي وهو يردد باهتمام:(ماذا بك يا آنسة!!. . . ماذا بك يا آنسة؟!) فأجبته بلسان متلعثم وأنا أشير إلى حسن: (إنه حاول تقبيلي). فتحول إليه مزمجراً، وراح يهدده بالويل إن لم يدعني وشأني.
ولن تمحى صورة حسن الذاهلة من ذاكرتي أبداً. فقد تحجر في موضعه، وراح ينقل أنظاره بيني وبين عامر في فزع كأنه تحت رحمة كابوس مخيف. ولم ينطق كلمة واحدة، بل ألقي علي نظرة تتدفق ألماً ومرارة وتعاسة، ثم دلف يخطو في تخاذل كأنه يرزح تحت حمل ثقيل، والتفت إلي عامر وقال بأدب:(لا أظنه سيضايقك مرة أخرى أيها الآنسة. . ليلتك سعيدة). ووقف ينظر إلي برهة كأنه ينتظر أن أقدم له شكري، لكن لساني انعقد عن