للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتفي كالحرير. قامة شامخة مغرية بخصرها الدقيق وصدرها الناهد. ثم هذه النقرة اللطيفة التي تبدو في وجنتي كلما افترت شفتاي عن ابتسامة صغيرة وصحيح أنني سمراء، لكن لوني خمري كما يقول الشعراء.

وكانت تلك الأفكار تبعث في قلبي نشوة هادئة، لكنها لم تكن لتصرفني عن أمر هذا العاشق الجديد. فكنت أنفق الساعات وأنا أنقد تصرفاته. وكنت أحدس أحياناً كثيرة أنه حسن نفسه. لكن ميلي إلى الاعتقاد أنه إما يكون طريح المستشفى أو يكون السجن كان يضعف هذا الحدس.

مرت أيام ستة على هذا العاشق الجديد وهو مقيم على عهده، يروح ويجيء تحت نافذتي كل مساء. وبينما كنت عائدة من المدرسة عصر اليوم السابع انحرف نظري ت على سبيل المصادفة إلى عطفة مهملة بالقرب من المنزل كنت أرفع البرقع في العادة حين أتجاوزها، وإذا بي ألمح حسن قابعاً فيها. وخفق قلبي في شدة وعنف، وساد الارتباك مشاعري واضطربت حركاتي، فحولت عنه عيني سريعاً، وأوسعت خطواتي حتى كدت أهرول. ولما بلغت الدار ارتقيت السلالم وثباً واتجهت إلى مخدعي من فوري واستلقيت على الفراش وأحاسيس النشوة والفرح تجيش في صدري. وتمثل لي شبح العاشق الجديد وهو يخطو تحت النافذة في تلكؤ، فوجدتني أجزم بأنه حسن نفسه. . . بقامته الفارعة وكتفيه العريضتين وملامحه القوية الصارمة، وإن له قامةطويلة حسن العبلة وإن لم تبن قسمات وجهه.

وما أن أسدل الظلام أستاره حتى هرعت إلى النافذة فرأيت الشبح يتحرك بعيداً مختفياً عن أنظاري، فارتددت عن النافذة.

وتهافتُّ على المقعد صامتة. لكنني ما عتمت أن قفزت على قدمي وأنا أحس كأنني حبيسة وراء جدران ضخمة. وانطلقت أذرع أرض الغرفة بخطوات سريعة مضطربة وأنا أرزح تحت وطأة رغبة جارفة في الخروج إلى الشارع. وضجت بتلك الرغبة مشاعري واختنق صدري بصراخها فأدركت أنني أقاومها عبثاً. وارتديت ملابسي على عجل. وأستاذنت أمي في زيارة زميلة لغرض يتعلق بالواجب المدرسي. رددت باب الدار خلفي وقلبي يسرع في دقاته وأعصابي ثائرة ونفسي متوثبة، وانعطفت وراء المنزل وسلكت رأس الشارع الثاني،

<<  <  ج:
ص:  >  >>