للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معصمي بين لحظة وأخرى متأففة متململة كأنني أستحث عقاربها على الإسراع. وما أن طرق سمعي رنين الجرس حتى قفزت نحو باب الصف في رعونة أثارت استغراب معلمة التاريخ التي تعهد في الرزانة والتعقل، لكنني لم أعبأ بدهشتها، وهرعت إلى الشارع ما اجتاحني موجة عارمة من المشاعر زاخرة بالمرارة والامتعاض والخذلان حينما ألفيت الشارع خالياً من دراجته، وصاحبتني تلك المشاعر الخانقة طيلة اليوم.

مضى أسبوع دون أن يبدو لحسن أثر: وكنت أثناء أيام الأسبوع أتوقع رؤيته في شغف كلما غادرت المدرسة في فرصة الصباح والمساء، وما أن يخيب ظني حتى يمتلأ كياني بأحاسيس يمتزج فيها الضيق بالأسى والثورة بالحنق. وتصارعت الأفكار والهواجس في رأسي كل منها يعزو غيابه إلى سبب. وكنت أجزم أحياناً بأنه في السجن يتحمل عقوبة المعركة. ثم أعود حيناً آخر فأعتقد أنه في المستشفى يداوي الجراح التي ألحقتها به المعركة. وحيناً ثالثاً أنقض ذينك الخاطرين ويعجزني ارتباك الخيال عن افتراض سبب معين!

وفي الليالي الثلاث الأخيرة من الأسبوع لفت نظري ظاهرة جديدة تحت نافذتي. فمن عادتي أن أفتح نافذة غرفتي المطلة على شارع عرضي وأمدِّ رأسي في الفضاء بضع دقائق لأملأ رئتيّ من هواء الليل العذب قبل أن أتهيأ للرقاد وبعد أن أفرغ من استذكار دروسي. فكان نظري يقع على شبح شخص يتحرك في تسكع. وبما أن مصباح الشارع الكهربائي بعيد عن دارنا فإن الظلام يغمر هذه البقعة فلا يسعني أن أميز شكل من يدخل في نطاقها. وخمنت للمرة الأولى والثانية والثالثة أن هذا الشخص عابر سبيل لكنني ما عتمت أن أيقنت أن تسكعه تحت نافذتي عن قصد وتعمد. وما أن رسخ في ذهني هذا الاعتقاد حتى أصبت بنوع من الهوس، فكنت أطل على الطريق في الليالي الأخيرة بين ساعة وأخرى فألحظه يتحرك تحت النافذة في نفس الموضع. وكان يتوارى عن أنظاري كلما أبرزت رأسي. وعجبت لحاله. . . من يكون؟! وماذا يعني سهره تحت النافذة؟! ولماذا يحاول الاختفاء عن عيني؟!

ولطالما ارتددت عن النافذة وتحولت إلى المرآة أتملىَّ فيها مفاتني. . . لا شك أنني رائعة الجمال. . . عينان سوداوان واسعتان. أنف صغير جميل. شعر أسود وحف ينسدل على

<<  <  ج:
ص:  >  >>