للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحزينة تخترق صفوفنا في ملل. . عيناه المتفجرتان أسى تتصفحان وجوه الطالبات في لهفة وإعياء. . ذو الأنف المعقوف وضحكاته الساخرة الكريهة. . المعركة العنيفة التي اشتبك فيها الاثنان! ويئست من استيعاب صفحة مما أقرأه فأطبقت الكتاب في ضيق وقمت إلى سريري.

اضطرب نومي بأحلام تارة أراه في صور كريهة تثير في قلبي الحنق والاشمئزاز، ويهم بالقبض على ذراعي فأنفلت من يديه مذعورة، وأركض أمامه خائفة وجلة وهو يعدو ورائي وزميلاتي يقفن على طول الطريق وهن يرمقنني هازئات. وطوراً يتمثل لي شاباً أنيقاً يرتدي السترة والبنطلون، ويغادر مدرسة البنين الثانوية المجاورة لمدرستنا في موكب من رفاقه المتأنقين، وهو يسير بينهم رافع الرأس شامخ الأنف، وأمر بالقرب منه أنا وزميلتي إحسان، فيلتفت إلي في اهتمام ويستقبلني بنظرات تفيض بالهيام. فتثير تلك النظرات في قلبي أعذب المشاعر وأحلى الأحاسيس. وحيناً أراني واقفة في أرض خضراء واسعة أتطلع إلى الأفق البعيد، وفجأة يبرز إلي وهو يمتطي صهوة جواد جميل، فينتشلني من الأرض ويردفني وراءه، ثم ينطلق بنا الجواد خبباً ونفسي تهتز نشوة وطرباً.

واستيقظت في الصباح متأخرة عن ميقات يقظتي اليومي. الصداع يلهب رأسي والضيق يكاد يكتم أنفاسي. وتناولت فطوري في غير شهية، وقصدت المدرسة وأنا منقبضة النفس حزينة المشاعر. تلقيت الدروس ضجرة متبرمة، ولما دق جرس الدرس الأخير زايلني بعض ما أحسه من ضيق وانقباض، وبادرت إلى الخروج وأنا أتوقع أن أرى حسن فوق دراجته يخترق الصفوف، ولم يكن ليزعجني التوقع تلك اللحظة، بل أحسست نحوه بشيء من الرضا والاطمئنان. ولشد ما ذهلت حين قطعت معظم الشارع دون أن يبدو له أثر. واستولى علي استغراب شديد يمازجه شعور بالاستياء والقلق، وظللت سائرة في خطي مضطربة وأنا أتلفت حولي طول الطريق، متوهمة في كل صوت عجلة تدرج ورائي. واكتسبت أذناي في تلك الدقائق قوة مدهشة، فكنت أنتبه إلى أدق صوت، بل لعلني كنت أتخيل سماع بعض أصوات وهمية. ومع ذلك فقد بلغت الدار دون أن يلوح لدراجته ظل. . .!

انتظرت فترة العصر في لهفة لا تطاق. وكنت خلال ساعات الدرس أحدق في ساعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>