فأجابه ذو الأنف المعقوف في استخفاف: على جنونك يا حسن. ألا يدعو حالك إلى الضحك؟! أية ساعة نلقاك نجدك عابس الوجه مكتئب القسمات برم الحياة، لماذا؟! لأنك تحب تلك الفتاة. .!
فسأله بصوت أجش: وماذا في ذلك؟! أليس من حقي أن أحب؟! ألم يخلقني الله كما خلق أولئك الشبان المتأنقين الذين يحل لهم الحب؟! كلما هنالك من فرق بيننا أن الله رماني في أحضان أب معدوم فاضطررت أن أشتغل حمالاً لأكسب لقمة العيش، بينما خص أولئك الشبان بآباء أثرياء يرسلونهم إلى المدارس ويكسونهم بالحلل الغالية. . وإن لله حكمة في خلقه!
فهتف ذو الأنف المعقوف بلهجة ساخرة: كفى تفلسفاً وكفراً فنحن نعترف أن من حقك أن تحب، بل وتحب تلميذة جميلة من بنات الأثرياء! ولكن، أفتظن يا قيس أن ليلاك ستتنازل يوماً وتجود عليك بنظرة أو ابتسامة؟!
فقاطعه في انفعال: اسمع يا جاسم. لا تتدخل في شئوني. أنا أدرى منك بما أفعله.
فأستطرد ذو الأنف المعقوف بقول في تهكم: طبعاً أنت أدرى بشئونك. . . لذلك أحببت تلك الفتاة!. . . حمال يحب فتاة مثقفة غنية. . .!
وسكت برهة ثم صاح في هزء كمن تذكر أمراً: اسمع يا قيس. إنني مستعد لمراهنتك على أن ليلاك قد اختارت لها صديقاً من طلاب المدارس كما هو شأن معظم التلميذات.
وكنت أترقب النقاش بنفسي متوثبة وقلب سريع الخفقان، فتملكني الغيظ حين نطق ذو الأنف المعقوف بعبارته الأخيرة، ولكن سرعان ما اهتزت جوانب نفسي بسرور عظيم عندما شاهدت حسن يقفز إليه في جنون ويمسك بخناقه وهو يصرخ هائجاً: لا تدنس اسم هذه الفتاة بلسانك القذر. . . لا تدنسه. . . لا تدنسه. . .
فسدد إليه ذو الأنف المعقوف لكمة ألقته على الأرض، واشتبك الاثنان في معركة حامية في حين بدأ الناس يجتمعون حولهما يحاولون فض المعركة، فانسللت في طريقي ونفسي نهب لعواطف الخوف والألم والإشفاق.
أقبل الليل. .
وجلست إلى كتبي لمذاكرة دروسي. محال أن أفهم شيئاً وذهني يعج بهذه الصور. دراجته