وناصرها. فلما منيت هذه الحركة بالفشل والهزيمة، شرعوا ينظمون القصائد الطوال في التبرؤ منها والاعتذار عما فرط منهم، أو نفي بتهمة الاشتراك مع العرابيين. وممن فعلوا ذلك عبد الله فكري والليثي الذي عفا عنه الخديوي وقربه أليه. وكان من الشعراء من هو من اصل غير مصري. وقد وقف هؤلاء من بدء الحركة في جانب الخديوي، فشرعوا بعد هزيمة عرابي ينظمون القصائد في هجوه وسلبه والتشهير به والطعن فيه. وكان الطوبراني الذي سبقت الإشارة إليه اكثر هؤلاء الشعراء هجاء لعرابي وأصحابه. وقصائده التي نضمها في هذا الموضوع من امتن شعره وأجوده واصدقه من حيث التعبير عن شعور البعض والكره للعرابين للحركة العرابيه. ولم يتورع بعض هؤلاء الشعراء من الكذب والافتراء على الناس وعلى التاريخ. انظر إلى مصطفى صبحي باشا حين يقول من قصيده طويلة دعاها (صدق المقال في المثالب البغاة الجهال)
ولما أتى أسطول مصر مسالما ... أثرتم بريح البغي نار التعند
ومناكم بالمستحيل خطيبكم ... رأدمج غشا في حماس مقلد
وأوهم زورا إن فيكم بسالة ... فحاولتم بالجهل خطة اصد
وهيأنم بعض الطوابي تنمرا ... وهددهم سيمور كل التهدد
فسببتم إحراقها وخرابها ... وكانت حصانا بالبناء المشيد
فهو يقول إن الأسطول البريطاني جاء مسالما وأن عرابي هو الذي هدد. وهذه الدعوة باطلة فندها بعض مؤرخي الإنجليز أنفسهم. ولكن هذا الرجل لم يتروع عن اتهام العرابيين بما برأهم منه أعداؤهم من البريطانيين.
قلنا أن روح العسكري المصري الذي ظهر في عهد سعيد قد اختفى اختفاء تام في عصر إسماعيل. ثم جاء الاحتلال البريطاني وسرح الجيش المصري ثم كون جيش جديد صغير تحت أشراف البريطانيين. لذلك لم يكن من المعقول أن يمدح الشعراء توفيقا بالشجاعة والأقدام، والجرأة، والبسالة، وغير ذلك من ألقاب البطولة التي مدحوا بها سعيدا. فاخذوا يبحثون عن صفات أخرى تصلح لهذا الخديوي. وكان توفيق أول حاكم في العصر الحديث يكثر من غشيان الأضرحة والمساجد. فأنتفع الشعراء بهذا المظهر الديني واخذوا يمدحونه بالتقوى والورع: ثم خلعوا عليه الصفات التي اعتادوا خلعها على كل من يمدحونه كالجود