فكل باب ذمار غير مفتتح ... وكل باب دمار غير مغلوق
كم حرموا من مباح القول واحتجزوا ... كم حللوا من دم بالظلم مهروق
ولا ريب في أن الطويراني لم يعبر عن شعور الأمة ولم ينطلق بلسانها. فالمصريون من غير شك كانوا في جانب عرابي. أما الأتراك والجراكسة فكانوا من أعداء العرابيين. وقد عملوا ما استطاعوا على هزيمة الجيش المصري وتمهيد البلاد للاحتلال البريطاني. وهم في هذا مدفوعون بمصالح أنفسهم حريصون على جاههم وسلطانهم الذي يتعرض للضياع والزوال إذا انتصر العرابيون. فلا عجب أن اظهروا الفرح والسرور حينما انهزم المصريون أمام الجيوش البريطانية، وراحوا يلقبون عرابي وأصحابه بالفئة الباغية، والفرقة العاصية، والبغاة الجهال، والأشقياء الملحدين، والأغبياء المتمردين، وغير ذلك مما جادت به قرائحهم السقيمة
وانتهى الأمر بضرب مدينة الإسكندرية ضربا مروعا فحل بها الخراب والدمار، واشتعلت الحرائق وانتشر السلب والنهب وفي ضرب الإسكندرية يقول عبد الله فكري:
بوارج أمثال البروج تقاذفت ... بحمد كأمثال الصواعق رجم
بواخر ترمي بالشاهقات بمثلها ... سرابا كأسراب الحمام المحوم
دوارع يلقين المخاوف آمنا ... بها سربها من كل حول ومرغم
يطارحن أسراب المدافع والوغى ... بكل رجيح وزنه غير اخرم
وسالت شعاب الأرض بالجند زاحفا ... بكل سبوح من كميت وادهم
يموج به الماذي في كل مأزق ... كما زخرفت أمواج يم ميمم
وغشى ضياء الشمس اسود حالك ... من النقع معقود بافم أسحم
تغيم منه الأفق والصحو سافر ... لثاما ووجه الجو غير مغيم
وأرعدت الأرض في السماء وأبرقت ... بصيب ودق للمنية بنهمي
وجاوب أصداء البنادق مثلها ... نداء فما يبقين غير مكلم
ونازع فيه ابن الكروب ند يده ... رسائل ليست للتودد تنتمي
ولما انهزم العرابيون واقبل الخديوي إلى مدينة القاهرة اخذ الشعراء ينظمون القصائد في مدح توفيق والتعريض بالعرابين، وكان من هؤلاء الشعراء من انضم إلى الحركة العربية