هي عصمة الدين التي أوحى بها ... رب العباد إلى النبي محمد
فمن أستعان بها تأيد ملكه ... ومن استهان بأمرها لم يرشد
ولكن الحركة العرابية ما لبثت أن انحرفت عن الطريق المستقيم وساعد على ذلك دسائس الدول الأوربية ولضهد العرابيون كل من خالفهم. وازدادت الحالة سوءا يوما بعد يوم، وأنتشر الرعب وعم الفزع واختل الأمن واصبح الناس عرضة للسلب والنهب والقتل. وانزوى الأتراك والجراكسة بعيدا عن الأنظار وأوضحوا في وجل جديد وخوف عظيم. وقد صور لنا هذه الحالة اصدق تصوير حسن حسني الطويراني تركي الأصل المصري المولد والنشأة، فقال:
فكم ليال أجنتنا غياهبها ... والحزم أعينه في غمض ترفيق
وكم صباح ترى حر الهجير به ... وما لنا من ضياء بعض تأليق
نمسي حيارى وتمسى الأرض واجفة ... ونصبح والصبح في رجف وتخفيق
يعالج الحر ذوق المر يجرعه ... عبئ ورشفا إلي أن مل من ريق
يمشي العزيز ذليل في مناكبها ... والهام خافضة في رفعة السوق
أيام ما يعرف الإنسان يفكر ... من الدنى بين مكروه ومعشوق
حيث اكفهر ظلام الظلم تتبعه ... حسب المعنى بين تفتيق وترنيق
حيث الوجود تشهى أهل عدما ... وود لو كان فيه غير مخلوق
يا بأسها فئة بالغي طاغية ... بطيئها بضلال غير مسبوق
أذاقت الأرض بؤسا والسماء أسى ... وكدرت صفو ذي قيد ومطلوق
وعممت ويلها والأوطان إذ فجرت ... وخصصت أهلها للجور والضيق
لم تبقى عينا بلا سهد ولا تركت ... قلبا بسهم جفاها غير مرشوق
تجمهرت وجرت في غيها وبغت ... ودمرت بين تفريق وتحريق
جارت بما ارتكبت جالت لما ركبت ... تاهت بما أنتهبت أغرت بتلفيق
لم يحفظ حرما لم يرحموا أمما ... لم يشكروا نعما شكران مرزوق
فجردوا السيف قهرا أي منصلت ... وفوقوا الغدر سهما أي تفويق
جابوا البلاد كما خانوا العباد وهمم ... يستطلعوا طريقا غير مطروق