ولعلك قد لاحظت أن تلك الصرخة في قوله (أغار عليك) عندما بدأ المقطوعة الثانية، قد تكررت في قوله (أغار، أغار) عندما بدأ المقطوعة الخامسة. . . تكررت لأن الحركة المادية (وأرجوا أن تفرق بين الحركة المادية للفظ وبين المعنى المادي للفظ) كانت هناك حركة واحدة فغدت هنا وهي أكثر من حركه واحدة، ولا بد في شعر الأداء النفسي من أن تستجيب الهزة الداخلية للهزة الخارجية، على مدار النسبة العددية التي تحدث شيئاً من التوازن بين عالمين. . . ولهذا ترى الهزة النفسية الممثلة في تكرار التعبير عن الغيرة قد وزعت على حركات مادية؛ هي الإقدام على التقبيل، والإقدام على الضم، والإقدام على قطف الثمار الناضجة في روض النحور! ولقد كان لضوء القمر في المقطوعة الثانية لحن فأصبح لضوئه في المقطوعة الخامسة قلب، وهو لون آخر من ألوان التجسيم يدعو إليه هذا الجو الشعري الجديد، كما يدعو إليه في أن يكون لسحره ذلك الجفن الذي عناه بقوله:
يصيد الموجة العذراء من أغوارها وهنا!
وفي المقطوعة السادسة تبلغ اللفتة النفسية أوجها عندما يقول:(وكم من ليلة لما دعاه الشوق). . . أن قيمة اللفتة في أنها إشارة إلى كثرة طواف القمر العاشق بشرفة هواه، هذا الطواف الذي أورثه المضني المعبر عنه في أول بيت من أبيات القصيدة:
إذا ما طاف بالشرفة ضوء القمر الضنى!
وتأمل رهافة المبضع حين يشرح العاطفة المشبوهة في لحظات الضعف والهوان، أن كل محب جبار يغدو في مثل تلك اللحظات طفلاً جاثياً بين يدي من يحب، (طفلاً يشتكي الغبن). . . فإذا ما حيل بين الطفل وبين الدمية الحبيبة عاد جباراً من جديد (يهز صراخه الكون)! وأي صراع هو؟ إنه الصراع الذي لا يبقي ولا يذر:
مضى بالنظرة الرعناء ... يطوي السهل والحزنا
يثير الليل أحقاداً ... وصدر سحابه ضغنا!
وأستعرض مواكب الألفاظ في هذا الأداء النفسي. . . إستعرضها في (النظرة الرعناء)، وفي الليل الذي (أثير أحقاداً) وفي السحاب الذي ألهب (صدره) ضغنا وعداء. . . وأستعرضها في المقطوعة الثامنة، في (ردى الشرفة الحمراء)، و (صوني الحسن من الثورة)، و (مخافة أن يظن الناس)! وكما طالعتك الملكة التخيلية في مطلع القصيدة فهي