الصاخب بين الحمال والعامل. وانطلق الفتى إلى عمله الجديد هادئاً لا يستشعر الحيف ولا يحس الجور.
وجاء أبوه - ذات مرة - يحدثه حديث الزواج، فدفعه عنه في رفق ودعه في هوادة، وهو يقول (دع عنك، يا أبي، هذا الحديث. فإن تكاليف العروس وحاجات الزوجة ورغبات الولد أشياء تبهظ الغني وتثقل كاهل الثري. فما بالي وأنا - كما تعلم - موظف صغير أحس الإرهاق والضيق وأشعر براتبي ينوء بأعبائي وأنا عزب. . .) فقال الأب في هدوء (لا بأس عليك أن تعللت بالضيق أو تذرعت بالحاجة ولكن الزوجة المنتظرة فتاة من ذوي قرابتك، ريفية المنشأ والمربى، تقنع بالضئيل وترضى بالتافه، لم يبهرها زخرف الحياة ولا خطفها ألق الحضارة. ثم هي يتيمة، مات أبواها منذ سنة واحدة فورثت عنه كذا وكذا من الأفدنة. . .) فهمس كأنما يتحدث إلى نفسه وقد بدا في نبرات صوته أن أسهل وانقاد (أنها ثروة. . . ثروة طائلة، تكفل لي حياة ناعمة) وأجاب الأب (إنك - ولا ريب - ستجد إلى جانبها راحة القلب وهدوء النفس ورغد العيش. فقال الفتى (ولكني أعجز عن أن أدفع المهر) فقال له أبوه (أما المهر فسأحمل عنك بعضه ليكون ديناً عليك تسدده بعد سنة من زواجك، أي بعد سنة من استيلائك على ثروة الزوجة المنتظرة) وانفرجت أسارير الفتى وتبسط في الحديث، وأقبل إلى أبيه يسأله (أو أستطيع أن أنزع ثروة زوجي من يد أخيها الأكبر؟) فأجابه الأب في ثقة واطمئنان (ومن ذا عساه يمنعك من أن تقوم على شأن زوجك؟) وفي ضحى اليوم التالي انطلق الفتى وأبوه إلى القرية. . . إلى دار العروس. وتحدثا إلى أخيها الأكبر، وهو - إذ ذاك - الوصي على مالها، فما تعسر عليها وما تمنع، فما لبثت الفتاة أن سميت إلى الفتى، وخرج الفتى من دار الفتاة وهو يتوثب فرحاً وسروراً ويتألق بهجة وأملاً.
ورأى الوصي الفتى يسر إلى أبيه بأمر فأحس بما يحس به الثري يقهق جيبه حين يسمع همسات اللص تطوف حواليه فتفزعه عن الأمان والقرار. ولكنه رجل ذو حيله وخداع وذو مكر ودهاء فأسر في نفسه أمراً.
وراح الوصي يعد الجهاز؛ ينفق عن سعة ويبذل في سخاء، يستفرغ الجهد ويستنفذ الوسع، والفتى يرى ويبسم لأنه يستشف آثار البذخ والإسراف فيخيل إليه أن الرجل يكلف نفسه