فوق طاقتها ليرضى هو ولترضى الزوجة، فاطمأنت نفسه وسكنت نوازعه، ثم انطلق ليهيأ لنفسه حاجاتها ويعد للعرس طلباته، يغرق في الأنفاق ويفرط في العطاء حتى كاد أن ينفذ وفره، وفي رأيه أنه يوشك أن يعوض ما فقده وأن يسترد ما أنفق.
وانطوى شهر العسل، والفتى يمرح في بحبوحة من النعيم فيها الصفاء والدعة، ويرشف رضاب حياة سعيدة طبية فيها الهدوء والطمأنينة. انطوى شهر العسل، ثم آفاق الفتى فإذا يده صفر إلا من راتبه، وإذا مال زوجته بين يدي أخيها الأكبر لم ينزل له عن شبر واحد. وأحس الفتى بالألم يخز قلبه وخزات عنيفة قاسية لأنه أضاع ما ادخر في سنوات، ولكن صبابة من الأمل كانت تعاوده - بين الفينة والفينة - فيطمئن لها قلبه وتسكن ثائرته
وحين أحس الفتى الضيق والعنت، انطلق إلى شقيق زوجته يطلب إليه أن ينزل له عن مال زوجته. غير أن الرجل ربت على كتف الفتى في هدوء وهو يقول (إنك فتى صغير السن، لا تستطيع أن تشرف على أطيان زوجك) وأحس الفتى أن الرجل يسخر من غفلته في غير رفق ويهزأ من طويته في غير لين، فهم يريد أن يثور في وجهه ولكن الرجل عاجله بقوله (أتذكر، يا أخي، أن جهاز العروس قد كلفها نيفاً وألف جنيه، وهذا دين على زوجتك أنتظر وفاءه؟ فأطيانها بين يدي رهينة حتى تفي أنت بدينها أو تفي هي. . .) وهبطت كلمات الرجل على قلب الفتى صفعات شديدة تهد من قوته وتعصف بكيانها، ولكن لم يستطع أن يفعل شيئاً، فأنفلت من لدن الرجل وقد ارتاع واستطار لبه.
وبدا للفتى إنه خسر في شهر واحد كد سنوات طواها يستمرئ ضنك العيش ويستعذب جدب الحياة ويتلذذ بالحرمان، ليكون بعد سنوات - رجلاً فيه الثراء والغنى. . . بدا له أنه أضاع ماله فاستشاط غيظاً واحتدمت الثورة في قلبه، ولكن.
وانطوت الأيام فإذا الفتى قد انتكس إلى حاله الأولى، يستمرئ ضنك العيش ويستعذب جدب الحياة ويتلذذ بالحرمان ثم راح يضرب زوجته بالجوع والعرى في خشونة وعنف، لا تأخذه شفقة ولا ينبض قلبه برحمة. والفتاة صابرة لا تتحدث بما تعاني ترفعاً منها وكبرياء، ولا تشكو قسوة الزوج آنفة منها سمواً - حيناً - على هم يضطرم في قلبها عسى أن تجد الرقة في زوجها أو تحس الرأفة من أخيها، والأيام تمر.
وضاقت نفس الزوجة بما تقاسي ونفذ صبرها، فانطلقت إلى أخيها تبثه شكواها وتسر إليه