(التوهم) كما استقصى مكدونالد (معنى الوهم في التفكير الإسلامي).
ولو أن فريقاً من المتفلسفين أقاموا (معرضاً للأوهام) وعرض فيه كل فيلسوف وهمه لتميز ابن سينا بوهمه ماذا هو عقل في صورة حيوان، يقول:(والإدراك قسمان حيواني وأنساني، والإدراك الحيواني إما في الظاهر وإما في الباطن فالإدراك الظاهر بالحواس الخمس والمشاعر والإدراك الباطن من الحيوان بالوهم، وحوله كل حس من الحواس الظاهرة يتأثر من المحسوس مثل كيفيته) ويقول أيضا (ثم في الحيوان قوة تسمى بالمتوهمة والظانة وهي تحكم على الشيء بأنه كذا أو ليس كذا بالجزم وبها يهرب الحيوان عن المحذور، ويقصد المختار، وهي غير المتصورة وغير المتخيلة أيضا) وأخذت مدموازيل جواشون تستعرض في ثبتها الفلسفي كل معاني الوهم والتوهم والوهميان كما وردت في كتب ابن سينا ولا سيما في كتاب والإشارات ومنجاة والشفاء.
ويأبى الرازي إلا أن يجعل هذا الوهم مصدر الغلط في الإنسان:(إن العقل لا يعرض له الغلط إلا من قبل هذه القوة المسماة بالوهم، وذلك سبب انطلاق لفظ الوهم الرأي الباطل مجازاً، تسمية المسبب باسم السبب، فظهر أن تسمية الرأي الباطل بالوهم أولى من تسميته بالخيال، فإن سبب الرأي الباطل ليس هو الخيال بل الوهم) ويقول في موضع آخر (يريد الشيخ بالوهم في هذا الكتاب المذهب الباطل أو السؤال الباطل، وذلك لأن العقل قد يعرض له الغلط من قبل معارضة الوهم إياه فتسمية الرأي الباطل بالوهم تسمية المسبب باسم المسبب مجازاً. . .)
وعلى ذلك فإن ابن سينا في إشاراته إلى الوهم قصد به كقوة وكباطل، ولكل مرماه في اللغة الفلسفية التي ابتدعها ابن سينا، وحدد نطاقها. ولعل في مقالي هذا ما يقنع المتفلسفين بان تراث ابن سينا يتطلب في فهمه وتقديره إحاطة واسعة بشتى ضروب العلم والعرفان التي طرقها فيلسوف الإسلام وجالينوس العرب، وأجاد فيها وأفاد. وهنا فقط تكون الفلسفة حقاً وصدقاً هي علم العلوم).